تحقيقات وتقارير
الخرطوم سعيدة بزيارة المبعوث الروسي .. ولكن!!
وسيجتمع المبعوث ميخائيل مارغيلوف اليوم مع الرئيس عمر البشير، في ختام زيارة استغرقت ستة ايام، كان هدفها المعلن توضيح موقف موسكو من قضية السودان، كي تصبح روسيا قوة بوسعها القيام بدور الوسيط بين كافة أطراف النزاع في البلاد حسب ما نقله موقع قناة روسيا اليوم الفضائية عن المبعوث ميخائيل مارغيلوف.
وتشير كافة الدلائل الى أن زيارة المبعوث الروسي للبلاد، تتعلق بقضايا عديدة، في مقدمتها عملية البحث التي تجريها موسكو للعودة الى افريقيا مجددا، لكنها أيضا على صلة مباشرة بالمواجهة القائمة بين الخرطوم ومحكمة الجنايات الدولية، فيما يتعلق بالاتهامات التي وجهها مدعي المحكمة لويس مورينو اوكامبو ضد الرئيس عمر البشير، فقد تزامن تعيين مارغيلوف مع تحركات المحكمة الجنائية الدولية وتصاعد الأزمة في دارفور.
وبالعودة الى تاريخ العلاقة بين البلدين، فقد شهدت العلاقات بين الخرطوم وموسكو، تطورا ملحوظا في السنوات الاخيرة، رغم أن روسيا كانت تعتبر لدى الإسلاميين الذين جاءوا الى السلطة عام 1989م، في خانة العداء على مرتبة واحدة مع الولايات المتحدة الامريكية، ويذكر في الصدد أن من الاهازيج التي كانت شائعة في بداية عهد الانقاذ: أنشودة يقول مقطع منها: « أمريكيا روسيا قد دنا عذابها .. علي إن لاقيتها ضرابها»، بيد أن الحكومة أبدت في وقت مبكر رغبتها في إعادة تمتين العلاقات السودانية الروسية، وظهر الأمر في اطار انهيار الاتحاد السوفيتي، وفشل تجربة النظام الشيوعي، العدو اللدود للإسلاميين.
وعقب صدور مذكرة اتهام مدعي المحكمة الجنائية الدولية، كانت اولى محطات التحرك الدبلوماسي للحكومة، نحو روسيا، وأعلن في الصحف عن زيارة مرتقبة للبشير الى موسكو، حيث يعتقد على نطاق واسع داخل الحكومة، أن بوسع الروس دعم الموقف الحكومي المناهض لاتهامات المحكمة الجنائية الدولية، لكن الرئيس لم يقم بالزيارة الى موسكو، وانخفض حماس الحكومة في التعويل على الدور الروسي في قضية المحكمة.
والمفارقة أن الخرطوم وموسكو أصبحتا الان، على طرفي نقيض في هذا الموضوع، فالمبعوث الروسي صرح عند وصوله الخرطوم ان بلاده لم تحدد موقفا قاطعا تجاه أزمة المحكمة الجنائية، واكتفى بالقول: أيا يكن السيناريو القادم فإن العالم سيكون محتاجا للتفاهم مع السودان ومع حكومته.
وعلى الرغم من دبلوماسية التصريح، الا انه يفسر بأن روسيا لا ترغب أو هي لا تستطيع في الأساس، التدخل في موضوع المحكمة الجنائية لصالح الحكومة هنا.
ويرى المحللون أن سر إعلان روسيا أن العودة الى افريقيا ستتم عبر بوابة السودان، يعود الى اطمئنان روسي من أن الجانب السوداني سيكون الأكثر سعادة بتطوير أكثر في العلاقات بين البلدين، في ظل ما تواجه الحكومة هنا من ضغوطات دولية مكثفة بسبب الأزمة في دارفور وتداعياتها وأهمها أزمة المحكمة الجنائية الدولية، ويقول تقرير نشرته «عرب اونلاين» امس إن موسكو تستغل وقوع حكومة الخرطوم في ورطة المحاكمة للحصول منها على أكبر تنازلات ممكنة في مسألة الاستفادة من ثروتها النفطية.
لكن استاذ العلوم السياسية المشارك الدكتور امير النعمان، يرى وجها اخر – عدا النفط- للاهتمام الروسي بالسودان حاليا، ويشير في ورقة عن العلاقات السودانية الروسية الى ما يصفها بحقائق جوهرية في اطار البعد التحليلي لواقع روسيا الحالي، بالنظر الى احتمال تخفيف التوتر في العلاقات الروسية الامريكية بعد الادارة الجديدة في واشنطن بقيادة اوباما، على التقارب السوداني الروسي مستقبلا.
في وقت، يتنبأ محللون بأن تفتح الابواب في الخرطوم أمام الطموحات الروسية الجديدة في افريقيا، حيث يرى الدكتور عبد الرحمن خريس أستاذ العلاقات الدولية بمعهد الدراسات الدبلوماسية التابع لوزارة الخارجية، أن تحظى زيارة المبعوث الرئاسي الروسي بقبول كبير لدى الحكومة، التي تسعى الى نقل ملف حل أزمة دارفور، من بين ايدي الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها الغربيين، الى قوى دولية اخرى مثل روسيا، خاصة وانها الأخيرة ظلت غائبة منذ عام 2003م عن لعب دور ايجابي لصالح الحكومة في حل الأزمة.
لكن المحلل السياسي الطيب زين العابدين يعتبر نصيحة المبعوث الروسي بترك الأبواب مشرعة بين الخرطوم والمحكمة الجنائية الدولية متوافقة مع كافة الدعوات السابقة لعدد من الجهات القانونية في السودان وخارجه.
وقال إن الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية وروسيا والصين يعترفون بقانونية المحكمة «وإن روسيا صوتت لصالح القرار الذي حولت بموجبه القضية للمحكمة الجنائية الدولية وبالتالي فإنها لن تقف أمام أي قرار يمكن أن يصدر عنها».
وأكد للجزيرة نت ان موقف المؤتمر الوطني هو الشاذ في كيفية التعامل مع القضية، والذي لا يسنده قانون دولي كما يقول بذلك أهل القانون. على حد تعبيره.
وأشار إلى ما اسماه بالجوانب السياسية للقضية «والتي كان ينبغي أن تتعامل معها الحكومة السودانية بشيء من المرونة والمنطق السياسي خاصة أميركا وبريطانيا وفرنسا».
وأضاف أن الوضع في السودان «خاصة بعد تجدد القتال في دارفور» ليس في صالح الحكومة على الإطلاق.
أما أستاذ القانون بجامعة الخرطوم شيخ الدين شدو فاعتبر أنه ليس هناك جهة بغض النظر عن وزنها السياسي يمكن أن تمنع قرار المحكمة الجنائية الدولية «طالما كان محولا لها من مجلس الأمن الدولي بموجب القرار 1593».
وأشار إلى عدم جدوى ما اسماه بالتلكؤ الحكومي في اتخاذ خطوات أكثر عملية في مواجهة ما يمكن أن يصدر من قرار.
وقال للجزيرة نت ، إن روسيا «وعلى الرغم من موقفها الإيجابي مع السودان، فإنها لن تتمكن من التأثير على قرار المحكمة في حال صدوره».
وأضاف شدو ان مجلس الأمن نفسه لن يستطيع سحب قراره 1593 الذي كلف به المحكمة الجنائية لأنها أصبحت من اختصاص المحكمة «لكنه يمكن أن يطلب من المحكمة تجميد قرارها أو تأجيله»، مبديا قلقه مما سيحدث في المستقبل «في ظل عدم التوافق السوداني والإجماع الوطني المطلوب».
ويشير أستاذ العلاقات الدولية بمعهد الدراسات الدبلوماسية التابع لوزارة الخارجية الدكتور خريس، الى نقطة مهمة اخرى مرتبطة بضرورة استفادة الحكومة من تعيين مبعوث روسي خاص للسودان، للحصول علي سند من طرف دولي اخر، مع الدور الغامض للصين في دعم موقف الحكومة في مواجهة المجتمع الدولي بشأن قضية دارفور بشكل عام، وأزمة المحكمة الجنائية الدولية على وجه الخصوص.
لكن الدكتور خريس يلفت الانتباه الى ضرورة أن تدرس الحكومة الاستراتيجية الروسية بشكل دقيق، خشية الا تتكرر التعقيدات التي تواجه الشراكة مع الصين
المصدر :الصحافة: .
[/ALIGN]