منوعات

نعم يا حليل عاداتنا وتقاليدنا

[JUSTIFY]بينما كنت أسير من الشرق إلى الغرب بشارع السيد عبد الرحمن لاحظت على يسار الشارع فندقاً قديماً كان يسمى لكوندا النيل الأزرق ولما كان يربطني من ذكريات حميمة وإلفة مقيمة مع ذلك الفندق والذي كان يتخذ من إحدى غرفه صديقنا الحميم حسن الطيب فرح أمد الله في أيامه مقراً دائماً له، فقد تحسرت كثيراً على ما آل إليه وضع ذلك الفندق من تردٍ وتدهور مريع ولكن مع ذلك فقد شد انتباهي ليصرفني عن كل تلك المواجع أمر غريب آخر إلا وهو وجود أسراب كثيفة من الحمام تحط على جميع شرفات ذلك الفندق وتحلق حوله دون أن أجد لذلك تفسيراً كان ذلك في نهار يوم الأحد 02/01/3102م وفي صباح اليوم التالي أي يوم الإثنين 12/01/3102م وبحكم العادة بدأت في تصفح جريدة الوطن اليومية لأجد على صدر صفحتها الأولى تنبيهاً لمقال تحت العنوان التالي «تأمُلات ـ حليل سوداننا القديم» ولما كنت دائم التحسر على زوال سوداننا القديم والذي كان زاخراً بالخير آمناً بالسلام والأمن والوئام بعد ما آل إليه من تشظي وتمزق وعدم استقرار كان لا بد لي من الاطلاع على ذلك الموضوع بالصفحة السادسة عشرة «61» بقلم الأستاذ جمال عنقرة رئيس تحرير ذات الصحيفة ولإلمام الأستاذ عنقرة بما في التراث السوداني من كرم وحسن ضيافة فقد تمكن من سرد أكثر من قصة تؤكد ما ذهب إليه من تلاشي الكثير من عاداتنا وتقاليدنا القديمة التي كانت تطفح بالكرم وتتسم بالسماحة ضارباً لتأكيد ذلك الكثير من الأمثال والحكم التي كانت تنبع من فطرة الإنسان السوداني السليمة الكريمة وهكذا فقد تحسر على زوال زمن «الدانقة والديوان زمان اللمة والضيفان» وهنا تذكرت سبب وجود أسراب ذلك الحمام المتراكم والذي لم يحل زوال مربيه دون تشبثه بالبقاء في موقعه رغم الإهمال والحرمان اللذين حاقا به بعد دهر طويل من الكرم والجود واللذين كانا متاحين للغاشي والماشي من بني الإنسان إلى جانب الحمام نعم لقد تذكرت ما كنت أضرب به المثل في الرفاه ومن ذلك تقديم الطعام لكل من ينشده بالمجان بسوق الخرطوم لقد عادت بي الذاكرة إلى يوم كنت أسير فيه مع الأخ أحمد ناصر من منزلهم الذي كان يقع شمال السكة الحديد وجنوب السوق العربي والذي أملت عليه شقاوة الأطفال أن يطلعني على شيء غريب وذلك عن طريق زيارة مقر من كان يطلق عليه اسم «فكي حمام» وهو نفس الموقع الذي سبقت الإشارة إليه حيث ما زالت بقايا الحمام تتشبث به وبعد ولوجنا إلى داخل المنزل أو الخلوة لاحظت وجود الشيخ الكثيف شعر الرأس وهو يرتدي جلباباً مرقعاً بألوان مختلفة من قطع القماش وكان ذلك من الأزياء المميزة لشيوخ الدين والتدين الزاهدين في الدنيا الزائلة الفانية مع الحرص على تقديم كل ما هو متاح من خير للتقرب إلى الله تعالى ولبلوغ تلك الأهداف السامية فقد بني فكي حمام برجاً كبيراً طولاً وعرضاً وارتفاعاً ليسع أكبر عدد ممكن من الحمام، وأكثر وأهم وأعظم من ذلك، هو وجود «بروش» مبسوطة على طول وعرض فناء الحوش الواسع وعلى بعد مسافة أمام تلك البروش كانت توجد مسطبة طويلة عريضة لتسع أكبر كمية ممكنة من قدور الطعام الناضج والذي كان يقوم بطهيه عدد من الطباخين المستعدين لتلبية طلبات زوار المقر دون مقابل ولإثبات تلك الحقيقة التي أملتها على قريبي ورفيقي شقاوة الأطفال كما ذكرت أنفاً فقد نادى على العمال الواقفين خلف مسطبة الطعام قائلاً «عم الشيخ اثنين» ليطلب منا الجلوس على البروش إلى حين تقديم المطلوب والذي تمت موافاتنا به عن طريق صحنين مليئين بالفاصوليا المسلوقة بصحبة الملاحة وملعقتين دون مقابل هذا مع ملا حظة أن ذلك المكان الذي كان يقدم الطعام للإنسان والحمام كان خالياً من الرواد ليؤكد إلى أي مدى كان الرخاء سائداً ورجال الدين يعرفون طريقهم إلى مرضاة الله تعالى لقد كان ذلك حوالي مطلع الخمسينيات وليس بالزمن البعيد بالنسبة إلى ما آل إليه حالنا الذي أصبح يغني عن سؤالنا من شظف العيش وضراوة الحرمان. للحقيقة والتأريخ فإن الرخاء كان سائداً في ذلك الزمان الطيب إلى درجة جعلت أحد كبار مشجعي وأقطاب النادي الأهلي بالخرطوم يفتح جميع أبواب مطعمه لمشجعي الأهلي لتناول ما لذّ وطاب من ضروب الطعام بالمجان عند انتصار الأهلي في أي من المباريات التي كانت تقام بملاعب كرة القدم «المُعدة» إعداداً جيداً لإقامة ومشاهدة المباريات بميدان عباس سابقاً والأمم المتحدة حالياً لقد كان ذلك الرجل الوفي المخلص الكريم هو الراحل محمد علي الفوال والذي كان مطعمه يقع على مسافة قريبة من ميدان عباس ولإثبات ما ذهبت إليه من تسيد الرخاء ورفاهية العيش وأسباب ومصادر الرزق والرخاء خلال ذلك الزمن الذي كان فإنني استشهد لإثبات واقعة مجانية الطعام بخلوة فكي حمام بالأخ أحمد ناصر أمدّ الله في أيامه ومتعه بالصحة والعافية، أما موضوع وفاء وبذل الغالي والرخيص في سبيل تشجيع الأهلي من قبل الراحل المقيم محمد علي الفوال في ذلك الزمن الذي كان زاخراً بالخير ومفعماً بالرفاهية فإن أبناء وأحفاد ذلك الرجل المخلص لناديه إلى درجة التضحية بالمال ما زالوا يكابدون لمواصلة البذل والتضحية بالمستطاع من أجل النادي الأهلي العريق العظيم ليمثلهم الآن ابنهم وابننا يسري الفوال خير تمثيل وشاهدنا على ذلك أيضاً ولحسن الحظ من داخل جريدة الوطن إلا وهو الأستاذ عبد الله عبد السلام المشرف على صفحة الرياضة بالصحيفة حالياً واللاعب المخلص المتفاني بالنادي الأهلي سابقاً وختاماً لا أملك إلا أن أزجي جزيل شكري للأستاذ جمال عنقرة الذي استطاع أن يفسر لي لغز وسر وجود تلك الأسراب من الحمام فوق وحول لكوندا النيل الأزرق.

عوض مصطفي الحاج: صحيفة الوطن [/JUSTIFY]

تعليق واحد

  1. [SIZE=4]أخي
    لا أحسبك تنتظر أن يعود الحال كما كان .

    ذلك زمان ولى ….فقط نسأل الله ألا يزيد سوءاً

    ونحن السودانيين هل نملك شيئا غير مخزوننا الخلقي ؟!

    فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

    لذلك أن تتخيل كيف يكون الحال مع حديث إن القيامة لا تقوم إلا على شرار الناس[/SIZE]