حوارات ولقاءات

البروفيسور عثمان أحمد حسن:سياسات التغيير لن تنجح في البلاد لهذه الأسباب

[JUSTIFY]جلست (أخبار اليوم (مع البروفيسور عثمان حمد حسن خيرى – مدير مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية الخبير الإستراتيجي لاستشراف المستقبليات الأستاذ في عدد من الجامعات السودانية- في حوار شامل ومتكامل حول تقييم تجربة حكومة الانقاذ والوضع السياسى الراهن وكيفية معالجات الاختلالات التى حدثت طول التجربة وتطر ق البروفيسور إلى الأخطاء الكبيرة والجسيمة التي ارتكبتها الإنقاذ وكيفية معالجاتها، وتعرض بالتفصيل لمشاكل البلاد من خلال رؤية إستراتيجية متكاملة وتحدث عن التغيير الوزاري الذي طال وزراء المؤتمر الوطني في الحكومة وغيرها من الموضوعات الهامة التي سنعرضها من خلال حلقات، فإلى المضابط.

كيف تقرأ الواقع السياسي الراهن؟

أولا أشكرك على هذا السؤال الجيد سؤال ينبئ بإجابة جيدة ؛ أولاً السودان يمر بمنعطف لا نقول خطير ولكن في غاية الحساسية والهشاشة أول هذه العوامل أن هنالك انتخابات قادمة في زمن لا يتعدى العام ولم تجهز كل الكيانات السياسية بما فيها الاحزاب الحاكمة والمتحالفة والمعارضة والتى تحمل السلاح لم تجهز إطلاقا ًلهذا التحول الاستحقاق وبالتالي كما يحدث في دول العالم الثالث تقوم هذه الكيانات بإسعاف موقفها الحرج بمقتضيات وتداولات أخرى خارج إطار الانتخابات فيمكن أن تكون هذه الاختلالات تصل حتى مرحلة الانقلابات. الموضوع الثانى نحن الآن في مرحلة خلل اقتصادى كبير وجسيم يتعلق بالميزانية العامة يتعلق بالتنمية والتوازن ويتعلق بتوزيع الثروة والسلطة هذا الاختلال الكبير في الاقتصاد وصل مراحل نبه له القاصى والدانى والعدو والصليح فلا بد كان من معالجات إسعافية لتخفيف صدمة هائلة يمكن أن تصيب المجتمع السودانى وليس الاقتصاد السودانى هذا أدى الى أن تكون هناك مجموعة العوامل التى تبنى عليها المعارضة وتعول عليها بما فيها حراك الجماهير والتذمر والغضب والململة التى تحدث بين حين وآخر بسبب أو بغير سبب سواء كان سبب تسبيبي تقترحه الحكومة بزيادة الأسعار ورفع الدعم عن المحروقات أو سبب طارئ أو سبب موضوعى، بدأت المعارضة فيما ذكرت في النقطة الأولى تبنى على هذا الخلل بحيث يكون من أجندتها ما تقوله عن الانتخابات.

هل تتوقع انقلابات مستقبلية إذا استمرت السياسات الكلية للنظام على ماهى عليها؟

أولا ما هو الانقلاب إذا كان الانقلاب يعنى تغير السياسات فنحن نشهد انقلابا ًيوميا ًاذا كان الانقلاب تغيير الشخوص فنحن نشهده يومياً وإذا كان الانقلاب يعنى تغيير رؤساء الخدمة المدنية فالآن هنالك تباشير وإعلان وتصريح بأن كل قادة الخدمة المدنية سيغادرون بمن فيهم وكلاء الوزارات وإذا كان الانقلاب يعنى تغيير السياسات للإنقاذ نفسها ومنظورها للمجتمع وتمرحلها خلال عمرها وقبل فترة الانتخابات فهناك انقلاب وإذا كان الانقلاب يعنى عدم وجود شخص واضح مرشح لكل حزب في انتخابات رئاسة الجمهورية القادمة ويمكن أن نفاجأ بأى أسماء أو شخوص هذا انقلاب.

هل تعتقد بأن المعالجات التى بدأت تقوم بها الانقاذ من تغيير الشخوص مع الابقاء على السياسات يمكن أن تدفع إلى الامام أو تذهب الى منعطف الهشاشة كما ذكرت؟

لا أظن ذلك إلا في حدود ضيقة جدا لا تساوى شيئاً في المستوى العلمي الموضوعي سيكون هناك تقدم وستكون هناك بعض التخفيفات على الثقل الذي يقع على الشعب وعلى الحكومة وعلى السياسية الخارجية وعلى الاقتصاد وعلى المعارضة ولكن هذه التخفيفات مع وجود هذه المثاقيل الضخمة في خلال ربع قرن من الزمان لا تسوى ولا تمثل شيئاً اطلاقا ًفليس هناك من أمل أن يكون هذا التغيير بذرة أو جذوراً أو أى منطلقات لسياسية جديدة أو فتح جديد، النفق واضح ومقدمته واضحة ومنتهى النفق واضح. هناك ظلامات هناك إظلام وتعتيم وهناك وضوح أيضاً فإذا بنى المجتمع السوداني سياساته على هذا الوضوح يمكن أن يكون هناك مخرج أما هذه السياسات التى تختص فقط بالحزب الحاكم دون الأحزاب الأخرى ودون الحركات المسلحة ودون وجهات نظر قومية وطنية وحتى وطنى أصيل سوف لا تؤدى الى أى غرض حتى اذا كانت حسنة النية لأنها ستعمل في مناخ سيئ ويكون كمن هو حسن النية في مجال غير حسن النية .الأوضاع السياسية الآن في السودان والتراكمات التى خلقها الحزب الحاكم وخلقتها المعارضة وخلقها الضغط الدولي الخارجي سواء ً أكان ظلماً أو موضوعياً كلها خلقت جواً غير موات لنجاح أى سياسة من سياسات التغيير.

ما هو الخطأ الجسيم التى ارتكبته الانقاذ في سياساتها الكلية ونتج عنه هذه الهشاشة أو المنعطف؟

طبعا الانقاذ ارتكبت أخطاءً جسيمة ولكن في علم السياسة السلطة التقديرية لا تلام ليس ذنبا ولا منقصة ولكن من الناحية الموضوعية نقول إن هنالك أخطاءً جسيمة حتى إن كانت ارتكبت بحسن النية أو بالسياسة التقديرية حتى لا نتكلم بالسياسة حتى يكون حديثنا علمياً من أخطاء الإنقاذ الرئيسية الكبرى أنها لم تراع المرجعيات التي كانت عليها وعندما تتهتك المرجعيات تتهتك كل الأواصر والروابط والانتماءات والدعم والسند من القاعدة هذه من أكبر أخطاء الإنقاذ وهذا خطأ شائع في حكومات كثيرة في العالم العربي والافريقي والإسلامي أدت إلى نفس المنهج وأن تهتك المرجعيات بمرور الزمن قد يكون هناك تراجعاً وتخلياً لاختلال في المرجعيات هذا الخطأ الأكبر الذاتي أما الخطأ الصفاتى هو أن الإنقاذ حتى الآن لم تعرف نفسها كنظام عسكري أو نظام مدني أو نظام إسلامي فهناك الآن ثلاث مرجعيات تتخبط فيها الإنقاذ وتخلطها المرجعية الإسلامية والمرجعية العسكرية والمرجعية المدنية الديمقراطية فهذا من الخطأ الواضحة كخطأ منهجي.

هل يمكن أن نقول إن الإنقاذ لم ترتكز على سياسات مستقبلية كلية أو بمعنى أنها تعمل بنظام دراسة الحالة أو بنظام كما يقولون رزق اليوم باليوم أو وفقا لمقتضيات الحاجة والضرورة؟

دعنى أقول لك شيئا ادعاء الإنقاذ لم تقم على سياسة كلية ادعاء غير صحيح الإنقاذ قامت على أسس راسخة على سياسات كلية على إستراتيجية قومية شاملة فاقت حد الوصف والخيال لدرجة انها اصبحت غير واقعية ولكن المشكلة في التطبيق بمعنى ان الانقاذ لم تتخذ خطاً وسطياً عبر تاريخها حتى تنجو من شراك العداء العالمي فوقعت في كافة الشراك العالمية شراك الدول المناوئة للنظام العالمي شراك الدول الراعية للإرهاب شراك الدول التى تهدد الأمن والسلام العالمى شراك الدول التي فشلت في حل نزاعاتها الداخلية والحروب الأهلية وشراك الدول التي فشلت في إحراز اى تقدم في مسألة الشفافية والفساد.

هل يمكن أن نرجع هذا السبب لعدم وجود خبراء استراتيجيين للإنقاذ أو مخطط إستراتيجى للنظام نفسه؟

هو صحيح ولكن الأصح أن الانقاذ وجدت نفسها في معركة خاسرة في شراك قبض على تلابيبها وهى ابعدتها عن التفكير الموضوعي وأقعدتها عن التفكير المنطقي وأحدثت بعض الخلل في منظورها الإستراتيجى الصحيح بمعنى أن أصابتها غشاوة.

من ناحية قانونية علمية واستراتيجية إلام ترجع هذا الانتكاس في السياسات الكلية؟

حتى نكون موضوعيين حتى لا يكون السؤال خاطئاً صحيح أن هناك انتكاسة هناك رجعة كبيرة ونكوص واضحاً أول العوامل الموضوعية لذلك أن الإنقاذ وجدت نفسها في معركة خاسرة دبر لها بنهار وليس بليل وشاركت الإنقاذ بنفسها في تأجيج هذه المعركة وهى معركة الحرب الأهلية في دار فور وجنوب كردفان والنيل الازرق والشرق سابقاً هذا الموضوع جر اقتصاد السودان الى مهالك معروفة في علم الاقتصاد لا يمكن الخروج منها أصلا يعنى تمويل الحرب والدفاع والميزانية الدفاعية الأمنية وجبرت عليها الإنقاذ وجرت لها جرا ًوهى ذهبت لها طوعا للانتصار وغفلت أن الانتصار لا يكون في المعارك وليس هناك انتصار في الحرب أى حرب خاسرة والعامل الثانى مهم جدا أنه كان هناك خطأ لا يتغير في السياسة القومية للبترول والموارد وأن كل الخبراء وكل الاقتصاديين والسياسيين وفي أدبيات العالم اكدوا على أن خروج البترول في أى دولة سيكون اما نعمة أو نقمة والطرفان واضحان للأسف نحنا سلكنا الطريق الآخر لم نوظف أى أموال للبترول بكميات مقدرة للتنمية حتى نخرج من هذا الإطار وهذه الدولة.

الانقاذ أدخلت البلاد في منعطف كما ذكرت من خلال سياساتها كيف تقرأ انفصال دولة جنوب السودان؟

والله طبعا الانقاذ لا يمكن أن تتحمل مسئولية انفصال دولة جنوب السودان والانقاذ لم تعجل ولم تؤجل انفصال جنوب السودان كل ما فعلته الانقاذ انها اخرجت هذه المسرحية إخراجا سيئا ًوكان هذا الإخراج على حساب مستقبل السودان وعلى حساب مستقبل الجنوب نفسه وعلى حساب مستقبل افريقيا وعلى حساب مستقبل الإسلام والعروبة كان إخراجا ًسيئا ًكان طبخاً ردئيا في مرحلة الإنقاذ بشرت الناس باستحالة الانفصال وبدأ الناس طموحاتهم وآمالهم على هذا الأساس وفوجئوا بأن الانقاذ اول من تقدم وباشر وبشر بفصل الجنوب فكانت غزلاً للعواطف العامة وغزلاً للوجدان القومى انحطاط على مستوى التفكير الاستراتيجىو تدميراً للمعنويات القتالية والعقيدة المسلحة.

هل يمكن معالجة أخطاء الانقاذ؟

هذا سؤال جيد وطريف يعنى ماهى الأخطاء ومن سيعالجها ؟ هناك اخطاء لا يمكن أن تعالجها هى أصلا هناك أخطاء ارتكبتها الانقاذ يجب أن تعالجها هى كمسئولية تاريخية وطنية وهناك أخطاء لا يمكن ان تعالجها الا الانقاذ لاسباب موضوعية. الاخطاء التى ارتكبتها الانقاذ يجب الا تصحهها تصحح عن طريق أطراف أخرى وجهات أخرى هى إضعاف المعارضة واضعاف العمل السياسى السودانى وإحداث تهتكات وشروخ في جدار العمل السياسى والمنظومة القومية بما فيها المرجعيات الاساسية والانتماءات لان هذا هو الرصيد القومى والاجتماعى والسياسى والوطنى للسودان فما كان ينبغى ان يتهتك لاى سبب من الاسباب فهذا خطأ جسيم يجب أن يرى الناس كيف يعالجونه خارج اطار الانقاذ والخطأ الذى ارتكبته الانقاذ يجب ان تصححه هو الاحتراب والتدخل المفرط في الظل الادارى وتفشى مرض الانشطار وتفشى الأعراض المصاحبة بما فيها خلل ميزانية العمل وتعيين اصحاب الولاء والصف الثالث والرابع والخامس وتغيير الحراك الاجتماعى بصعود كمية كبيرة من الفئات في غير إطارها الموضوعى.

إذن لا بد من طرف ثانى لمعالجة أخطاء الانقاذ التى ذكرتها أولا؟

الحقيقة هنالك أخطاء لا يمكن أن تصلحها الانقاذ حتى وان ارادت مثلا أخطاء معالجات الحروب الأهلية اخطاء معالجات الحركات المتمردة الانقاذ فرغت جعبتها من الحلول والحلول اصلا تتأرجح ما بين الحرب والسلام والانقاذ لا تستطيع أن تحارب ولا تستطيع أن تسالم الآن إن وضعت نفسها في مكان اصبحت غير جديرة بالحرب وغير جديرة بالسلام فنحن نحتاج لكيان وسيط وسطى يصلح ما أفسده الدهر ما بين الانقاذ والحركات المسلحة دون اعتبار لسوئها أو صلاحها دون تقييم لوضعها وانتمائها السياسى نحن نتحدث من المنظور الوطنى الاستراتيجى العام المستقبلى للسودان.

كيف نقرأ استراتيجية تعامل الانقاذ مع الاسرة الاقليمية والدولية في ظل التعقيدات في ظل الشراك التى نصبتها الاسرة الدولية؟

قطعا ونكون صادقين الإنقاذ حاولت محاولات جديرة بالاهتمام وبذلت مجهود اً كبيراً جداً لمعالجة القطيعة بينها وبين العالم واهتمت بهذا الأمر اهتماماً غير مسبوق ووضعت التدابير والسياسات ووظفت الشخوص لأداء هذه المهمة ولكن لم تنتبه للب المشكلة ولم تنتبه الى جذور المشكلة ولم تنتبه الى ما يحدث يوميا كل ما ذكرناه من جهود ما كان إلا عبارة عن محاولات يائسه محاولات غير ممنهجة محاولات غير مستدامة نتائجها نفسها لم تكن جديرة بالتقييم العلمى وبالتالى السياسة الخارجية السودانية تعتبر سياسة سطحية التعامل مع النظام الدولى تعامل كان تعامل الشخص المنهزم الذى لا يقبل بالهزيمة وهذا اكبر مشكلة بانك تكون منهزماً ولا تقبل بالهزيمة فالنظام الدولى والعولمة رياح قاهرة وأنت اذا انكرت هذا العدوان أو التغلغل و التدخل فسوف تنهزم ولا تضع تدابير لخروج المنهزم لانك اصلا تنكر الهزيمة والموضوع الأخير أن هذه السياسات لم تبن من فراغ العداء العالمى للسودان لم يأت من فراغ إنما بسبب سياسات أصيلة بسبب تصريحات منقولة وموثقة بسبب أقوال ما ثورة بسبب سياسات ممنهجة بسبب تعنت واصرار و تمترس في بعض القضايا أدت الى هذه القطيعة التى انداحت في غالبية دول العالم فالأمر ليس عداءً شخصيا وليس عداءً تاريحيا وليس نظاما استعماريا ولهذا لا ينبغى وجود هذه الابعاد ولكن البعد الحقيقى بأننا تمترسنا ووصفنا أنفسنا أهلا بجدارة لهذا العداء.

حوار: محمد الحلو:صحيفة أخبار اليوم
[/JUSTIFY]