خالد حسن كسلا : مؤتمر «نافع» لا شمولية ولا ديمقراطية
ها هو الدكتور نافع علي نافع في آخر مؤتمر صحفي عقده بعد إعلان معظم تفاصيل التشكيل الوزاري الجديد يستخدم اسم «الإنقاذ» في قوله إنها مثلت بعثاً للإنقاذ بروح جديدة وشابة تحمل كثيراً من الأفكار وتسندها خبرة من عملوا بالإنقاذ. ومثل هذه الكلمات التي لم يربطها صاحبها بالتحول الديمقراطي تُرى وكأنها تُستدعى من مرحلة سنوات حكم «الإنقاذ» الأولى. مع أن انتخابات أبريل «2010م» كانت أجدر بأن تطلق إشارات حولها. كان المفروض في سياق الوضع الديمقراطي الطبيعي أن يقول إن «الإنقاذ» انخرطت من خلال حزب المؤتمر الوطني في عملية التحوُّل الديمقراطي، ويعتبرها الحسنة الوحيدة التي تضمنتها اتفاقية نيفاشا، فقد خاض الانتخابات كل أحزاب المعارضة التي حملت السلاح ضد الحكومة في التسعينيات.
كل هذا كان يحتاج لتوضيح وتفسير. وحتى الأحزاب المعارضة كانت في حيرة من أمرها، فأول الأمر استعجلت ودخلت التنافس الانتخابي بارتباكاتها السياسية وغيظها الشديد من الحزب الحاكم وظنت أنها ستكسب في ظل اتفاقية نيفاشا وفي الفترة الانتقالية الطويلة، لكن حينما أدركت أن تنفيذ اتفاقية السلام بوجه كامل يتطلَّب إعلان فوز المؤتمر الوطني في الشمال والحركة الشعبية في الجنوب ما يعني أن الانتخابات لا داع لها أصلاً قامت بالانسحاب من المنافسة رغم ظهورهم الإعلامي القوي تحت أضواء أجهزة الإعلام الرسمية، فقد ظهر السيد الصادق المهدي والشيخ عبد الله دينق نيال وحاتم السر ونقد ومبارك المهدي وديك المسلمية وغيرهم. فهل انسحاب هؤلاء من المنافسة هو الذي يجعل رجال «الإنقاذ» حتى الآن وبعد ربع قرن من الزمان أن يتمسّكوا بمصطلح «الإنقاذ الوطني»؟. وكان المقصود به إنقاذ البلاد من المشكلات الأمنية والاقتصادية وغلاء المعيشة، لكن للأمانة نقول إنهم قد أنقذوا البلاد فقط من شيء واحد هو القوانين البريطانية والهندية واستبدلوها بالقوانين التي تعبر عن دين المسلمين، لكن الأمن والاقتصاد فيغنيك عن سؤالك ما تراه عينك. إذن يمكن أن تقول كل القوى الإسلامية الاستئنافية التجديدية إنها ترتضي أن تكون الحريات في العهود الديمقراطية ثمناً للشريعة الإسلامية ولو جاء تطبيقها ناقصاً. وكان زعيم أنصار السنة المنتخب من الموتمر الثالث الاستثنائي الشيخ أبو زيد محمد حمزة يقول إن ثلاثة أرباع إسلام خير من نصف إسلام ونصفه خير من ربعه وربعه خير من عدمه. وهو يقصد منهج التدرُّج.
والقوى الإسلامية سواء كانت إخوانية أو سلفية لا يعنيها التحول الديمقراطي في شيء، والمواطن الذي يحتار من عدم القدرة على تحديد هوية الحكم في السودان الآن شمولي أم ديمقراطي ليس هو الذي ينتمي إلى القوى الإسلامية، لكن هناك رقماً ضخماً من المواطنين لا يمكن تجاوزه بسهولة وهم من خرج معظمهم في يوم 6 أبريل 1985م مشتهين الحياة الديمقراطية بعد أن استمعوا لبيان وزير الدفاع والقائد العام حينها الفريق أول عبد الرحمن محمد حسن سوار الدهب. فقد خسر نميري كل القوى السياسية في البلاد وظن أن الجيش وجهاز الأمن ومجموعة صغيرة من أعضاء الاتحاد الاشتراكي والحزب الحاكم يساندونه، لكن قائد الجيش انحاز لهدير الشارع وأراد حقن الدماء.
وجاءت الانتفاضة وبعدها فترة ديمقراطية ثالثة لم تجد من يحميها وكانت مهددة بأكثر من مشروع انقلاب، وكان السباق هو انقلاب الإسلاميين الذي نزل برداً وسلاماً على القوى الإسلامية. وأول ما أيده من كبار الشيوخ هو الشيخ أبو زيد بمسجد أنصار السنة بقرية الشرفة بشرق الجزيرة. إذن الدعاة والناشطون في العمل السياسي الإسلامي لا يبكون على حريات إذا لم تمد يد الحكومة إلى مساجدهم ولم تتراجع عن مشروع تطبيق الشريعة، لكن بقية المواطنين غير المؤيدين للقوى الإسلامية والدعوية هم في حيرة ولسان حالهم يتساءل هل هذه حكومة شمولية أم ديمقراطية؟ وما معنى انتخابات «2010م» التي انسحب منها الزعماء والقيادات وما معنى استخدام اسم الإنقاذ في التصريحات الرسمية؟!! إنهم في حيرة لا شمولية ولا ديمقراطية.
٭ نلتقي غداً بإذن الله
صحيفة الإنتباهة
ع.ش