بي بي سي أجهضت حلمي
فشل الانقلاب الذي دبرته أحزاب ما يسمى «الجبهة الوطنية» في الثاني من يوليو من عام ١٩٧٦، وتحدثت وسائل الإعلام الأجنبية عن حمامات دم وعمليات إعدام جماعية في الخرطوم، وفي زمن لم تكن فيه قنوات تلفزيونية فضائية، كانت الإذاعة والصحافة المكتوبة هما أداتي الإخبار والتنوير ونقل التقارير، وكانت إذاعة بي بي سي العربية تحظى باحترام شديد بين شعوب مختلف الدول العربية، التي كانت ولا تزال تعاني من التضليل الإعلامي الرسمي وتزييف الحقائق، وتحدثت بي بي سي في نشراتها الإخبارية عن حمامات الدم في السودان، فتم طرد مراسلها من الخرطوم، وانهال الإعلام السوداني شتما في بريطانيا نفسها وقاد الرائد ابوالقاسم محمد ابراهيم مظاهرات تهتف: داون داون بريتش كراون .. يسقط التاج البريطاني .. كيف تؤدي مظاهرات في الخرطوم الى سقوط الملكة اليزابيت؟ لست أدري، ولماذا لست أدري؟ لست أدري.. ثم جاء الهتاف السيريالي: داون داون بي بي سي!! طيب أنت معك حق تكون زعلان من بي بي سي لأنها قالت إن حكومتك باطشة او ظالمة، ولكن كيف تسقط إذاعة؟ يعني سقوط التاج والملكة ممكن ولو من الناحية النظرية، لو افترضنا ان فيروسا من العالم الثالث أصاب بعض ضباط الجيش البريطاني وقاموا بانقلاب عسكري وأعلنوا قيام الجمهورية او الجماهيرية البريطانية، ولكن ان يطالب شخص يفترض انه عاقل وراشد بسقوط إذاعة فهذا هو ما نسميه في السودان «الفياقة»، ويوصف الانسان بأنه فايق عندما ينشغل بأمور لا طائل من ورائها.. وكان ابوالقاسم قائد المظاهرة يشغل وقتها منصب نائب رئيس الجمهورية أو وزير الداخلية أو المنصبين معا (اعذروني لأنني لم أكلف نفسي عناء تقصي ماهية المنصب الذي كان ابوالقاسم يشغله، لأن السودان يعتبر أكبر بلد منتج للوزراء، ولدينا نحو ٩٣٥ وزيرا سابقا على قيد الحياة حاليا، بينما عدد من لا يزالون يحملون لقب وزير حاليا في حدود ٢٠٠ الى ٣٠٠ شخص).
ولم تقف الأمور عند ذلك الحد بل منعت حكومة جعفر نميري شركة الطيران البريطانية من استخدام مطار الخرطوم، وعلقت رحلات شركة الطيران السودانية الى لندن.. على أمل أن يؤدي ذلك الى انهيار الاقتصاد البريطاني، لأنه يعتمد كليّا على مطار الخرطوم!! أذكر القارئ بأن كل ذلك حدث وأنا على بُعد أيام قليلة من رحلة العمر الى لندن لدراسة الإنتاج البرامجي التلفزيوني.. وهذا ما عنيته بقولي في مقال الأمس بأن فشل الانقلاب تسبب في إفشال بعثتي الدراسية الى لندن، وهكذا ورغم أنني كنت أتمنى النجاح للمحاولة الانقلابية وحزنت بصدق للتصفيات الجسدية التي تعرض لها من شاركوا فيها، فإنني – بعد أن جعلت الدروشة الحكومية سفرتي الى لندن في حيص بيص – صرت أكلم نفسي: يعني حبكت .. لازم تحاولوا الاستيلاء على السلطة قبل سفري بخمسة أيام؟ لماذا لم تصبروا أسبوعا أو شهرا؟ وصرت حزينا على من قتلوا خلال المحاولة، وحزينا على نفسي، لأنني بعد المجاهدة والمكابدة في الحصول على الترخيصات من جهاز الأمن والحزب الحاكم بالسفر، وصارت تذكرة الطائرة في جيبي، وصرف أهلي وأصحابي الشيء الفلاني لتوديعي.. بعد كل هذا انهار الحلم في أن أعيش في لندن «ذات نفسها» شهورا طويلة.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]
يعني سليت روحنا فعلا زي ما قلت !
لا تحزن على شراً أتاك أو على خير فاتك .. فالحكمة تكون في بعض الأحوال خفيًة و ربما كان لذلك التأجيل خيراً لك أو إبعاداً عن شر قد يأتيك في حال سفرك .. أذكر أن أحد الأصدقاء كان لديه أم رزقها الله حسن ظن برحمة الله و حكمته الشيء العجيب !!! و يحكي لي أنها كانت تبيع الحطب و الأخشاب في وقت الشتاء أيام شبابها و في أحد المراًت بينما كانت تجهز الحطب لتبيعه إذا بالسماء تنشق و تنهمر بالمطر !! فجاءتها إحدى النسوة اللاتي يبعن الحطب معها و قالت لها : دعي العمل اليوم فلن تبيعي شيء في هذه الأجواء الممطرة !!؟؟ فقالت لها بثقة البائعة المؤمنة : سأبيع بإذن الله و توفيقه بيعاً جيداً لأن الله يرزق من يشاء برحمته و توفيقه لا بتوفيق الناس !!؟؟ المهم أنها كانت وحيدة في سوق الحطب تعرض ما لديها من بضاعة .. فأتاها أحد أغنياء البلد ورثًى لحالها حينما رآها لوحدها في السوق و إشترى منها كمية من الحطب و وضع عند بضاعتها من غير أن تلحظ مبلغاً كبيراً من المال و إنصرف .. إنه توفيق الله و رزقه للعبد .. تحياتي لك أستاذي العزيز و شكراً .