عبد اللطيف البوني
غازي لم يقل
عودة للنص الذي نعتبره مجهول المصدر إلى حين إشعار آخر، ولكنه في تقديري نص حاوٍ وجامع ويختزل في جوفه كل تاريخ السودان الحديث ويمكن أن تؤسس عليه رسائل دكتوارة وتكتب فيه مجلدات فالانجليز هم الذين فصلوا الدولة الوطنية على ذلك التحالف غير المقدس بين النخب التقليدية والنخبة الحديثة وكان دافعهم في ذلك إدارة البلاد بأقل تكلفة ولكنهم للأسف كلفوا البلاد فيما بعد الكثير سياسيا واجتماعيا واقتصاديا فكانت أكبر فاتورة دفعت في هذا الشأن هي شق البلاد إلى نصفين ثم الحرب المزدوجة الدائرة الآن التي تجمع بين الأهلية (داخلية) والبينية (أي بين دولتين).
قادة الطائفية الدينية والعشائرية القبلية (نجملهما في النخبة التقليدية) لن نلومهم فيما فعلوه بهذه البلاد فطبيعتهم تقوم على المحافظة وحماية المكاسب الخاصة وتسخير كل قوتهم ونفوذهم للحفاظ على مصالحهم الخاصة التي تترواح بين الذاتية الضيقة ومصلحة الطائفة أو القبيلة على أقصى اتساع وبالتالي كل اللوم يقع على النخبة المتعلمة التي سلمت دقنها لتلك القيادات التقليدية فأصبحت تابعة عوضا عن أن تكون متبوعة فالنخبة الحديثة أي المتعلمة هي التي فصل عليها شكل الدولة الحديثة وكان ينبغي أن تقود مسيرة الحداثة ولكن يبدو أن قلة عددها واستعجالها لخلافة المستعمر وكسلها هو الذي رماها في أثواب النخبة التقليدية.
سوف تظل بلادنا ترزح في واقعها المزري القائم الآن إلى أن ينتهي أو ينفض ذلك الحلف غير المقدس بين النخبتين الحديثة والتقليدية فإن ضعفت الطائفية فقد قويت القبلية علما بأن الطائفية أكثر تقدما من القبلية لأن فيها شيئا من الاكتساب فهذا يعني أن الأمور تسير إلى الخلف فها هي النخبة المتعلمة تهرع إلى مكوناتها الأولية من أسرية وعشائرية وقبلية من أجل الوصول إلى السلطة فبدلا من أن تتضامن قوى الحداثة أفقيا ها هي تتراجع رأسيا لترتمي صاغرة في يد النخبة التقليدية.
ثمة شيء هام لا بد من توضيحه وإزالة الغموض فيه وهو أن النص الذي افتتحنا به هذا المقال في حديثه عن سيطرة عن الاثنية النيلية على البلاد فالواقع أن النخبة بشقيها هي التي سيطرت فالمواطن العادي في ضفاف النيل هو الآخر يعاني من ذات التهميش الذي يعاني منه سكان المناطق غير النيلية عليه فإذا انفض الحلف غير المقدس المشار إليه سوف ينتهي التهميش في وادي النيل وبقية أودية السودان.
حاطب ليل- السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email][/JUSTIFY]