رأي ومقالات

الصادق الرزيقي : شكاوى ضد الدولة… وحقيقة «بـت السـلطـان»!

[JUSTIFY]حسب إفادات الدكتور معاذ تنقو مقرر المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بوزارة العدل، نقلها في خدمته الخبرية المركز السوداني للخدمات الصحفية (smc)، ونشرتها كل الصحف أمس، فإن وزارة العدل عبر لجنة الشكاوى بالمجلس تلقت نحو ألف شكوى من مواطنين ضد أجهزة الدولة المختلفة تم الفصل في عدد كبير منها، وكانت معظم هذه الشكاوى ضد جهاز الأمن الوطني ومصلحة الأراضي والشرطة..

هذه الإفادات والتصريحات من قانوني مرموق ومحترم مثل الدكتور تنقو، مقبولة وصحيحة شكلاً وموضوعاً، لكن الرأي العام السوداني وعامة الناس، يتشككون من واقع التجربة والمعايشة والممارسة من جدوى مقاضاة الدولة وأجهزتها خاصة الشرطة والأمن، وربما يكون ذلك بسبب فزع تراكمي عبر كل الحقب والأنظمة التي حكمت البلاد أو نماذج مثل هذا النوع من الشكاوى والتعاملات القضائية والقانونية عند غيرنا من الدول في جوارنا أو البعيدة عنا..

والسبب في ذلك واضح أن حالات كثيرة بعضها نشرته الصحف وبعضها بقي حبيس الأضابير والمحاكم، أن تظلمات المواطن خاصة الذي لا ظهير له ولا سند تذهب أدراج الرياح، إما لعجزه الكامل عن مواجهة الأجهزة التي تملك كل شيء ومستعدة لأي شيء، فمقاضاتها بالنسبة لصنف كبير من المواطنين أمرٌ لا قبل له به، ولم يسمع الناس إلا قليلاً في حالات نادرة جداً أن مواطناً كسب قضية ضد أحد أجهزة الدولة ومؤسساتها..

وقد ضاعت حقوق كثيرة من مواطنين عاشوا مرارة الظلم والعسف والتسلط، بسبب إحجامهم أو خوفهم من مقاضاة الدولة، رهبةً وفزعاً، أو استيئاساً من الحق الذي يظنون أنهم لن يجدوه ولن تستطيع جهة مهما علت أن تأخذه لهم..

ولذلك تحلى الناس بالصبر الجميل، وتحملوا الأذى، تساوت عندهم الأنوار والظلم، ففي عالم الصحافة تمر بنا الكثير من المواقف والشواهد يقف أمامنا مظلومون من الدولة «ظلم الحسن والحسين» بمستنداتهم، لكن بسبب بساطتهم وقلة حيلتهم وهوانهم على الناس ضاعت حقوقهم، إما بسبب التسلط أو الفساد أو البيروقراطية المعيبة أو المحسوبيات والوساطات وسوء استخدام النفوذ..

إن ضعف الرقابة الإدارية وعدم الكفاءة وروح التسلط لدى الكثيرين في أجهزة الدولة ودواوينها، وغياب المراجعة وعدم تطبيق القوانين واللوائح وغياب العدالة والإنصاف، يؤدي إلى وقوع ظلم فادح بمواطنين إما في تعاملات إدارية عادية يتفرعن عليهم صغار الموظفين وكبارهم أو يتخذ أحدٌ ما قراراً لا يعرف آثاره وجوانبه يهوي بحق المواطن إلى مهاوٍ سحيقة بلا قاع..

ونعود لحديث الدكتور تنقو، فالرقم «1000» شكوى، ليس رقماً كبيراً ولا مخيفاً، ولا يمثل كل المظالم التي تقع على عاتق المواطنين، فهذه الشكاوى لمن استطاعوا الوصول للجنة بوزارة العدل، وأغلبهم من سكان الخرطوم ومن يعرف مثل هذه الدروب والمسالك، فهناك فئات بعيدة في الأصقاع النائية والمناطق القصية في الولايات في ريفها وحضرها، لم ولن تصل آهاتُهم وأنينُهم إلى هذه اللجنة، ولن تصل اللجنة بالطبع إليهم، وهناك من هم في الخرطوم وعلى مرمى حجر من اللجان والوزارة المعنية والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، لكنهم لا يستطيعون.. صحيح أن اللجنة والمجلس لا يلامان على عدم تقديمهم شكاوى من الناحية القانونية المحضة، لكنهم في نفس الوقت ضحايا نظم إدارية وتغولات سياسية واعتساف ممض وتطبيقات للقوانين عمياء وصماء لا ترى الحق ولا تسمع صوت المظلوم..

أما لماذا الإعلان عن هذا العدد من الشكاوى في هذا الوقت بالتحديد وإبرازه من ناحية التوقيت والتحديد للجهات، فذلك ما لم نفهم مقاصده حتى اللحظة، ولا نظن أن الحيز الزمني لتقييد هذه الشكاوى وتقديمها كان كبيرًا ومتسعاً..

إن العدل هو أساس الملك والحكم، إذا فقدت الدولة ميزان العدل وفقدت مؤسساتها وأجهزتها القدرة على إنصاف المواطن وكف التطفيف والأذى عنه، ضاعت وضاع كل شيء… لكن من القادر في هذه الظروف أن يقول بت السلطان عزباء؟

صحيفة الإنتباهة[/JUSTIFY]