حوارات ولقاءات

مدير جهاز المخابرات الخارجية في عهد (مايو) السفير “عثمان السيد “1”

[JUSTIFY]حوار – أحمد دقش

في حوار الأسرار والخفايا جلست (المجهر) إلى السفير اللواء “عثمان السيد فضل السيد” بمكتبه بمركز الدراسات الأفريقية بالخرطوم، وهو حاصل على الماجستير من الجامعة الأمريكية ببيروت، وعمل مديراً لفرع المعلومات، ثم مديراً لفرع المخابرات الخارجية، وعندما تم ضمه للأمن العام والقومي أصبح مديراً للأمن الخارجي، ووصل حتى منصب وزير الدولة بالأمن الخارجي، ثم عمل سفيراً للسودان بإثيوبيا لأربعة عشر عاماً حتى وصل إلى منصب عميد السفراء العرب والإسلاميين في أثيوبيا..
(المجهر) حاورت “السيد” في الملفات الساخنة في عهده وعن أخطر العمليات الاستخباراتية في الماضي، وخرجت منه بحزمة إفادات جريئة حكى خلالها عن الأدوار الوطنية لجهاز الأمن في تلك الحقبة.. فإلى مضابط الحوار.

} كيف كانت طبيعة النشاط الاستخباري الأجنبي في السودان سواء المخابرات الأمريكية أو الإسرائيلية أو من دول الجوار خلال فترة عملك وتقلدك لمنصب مدير جهاز الأمن الخارجي في عهد مايو؟
– لعبة المخابرات أصبحت معروفة ومكشوفة، وهذا ينطبق على الدول العالمية كلها وعلى السودان، وكان لدينا مندوبون، وبدأنا بعدد محدود سواء مندوبينا في لندن أو في تشاد أو جدة وبيروت ونيروبي، وبعدها توسعنا ووصلنا إلى أوروبا وروما وألمانيا وموسكو، وفي الدول العربية زاد العدد أكثر، وفي اليمن وقطر والكويت والدول الأفريقية بطبيعة الحال.. لدينا في يوغندا وجنوب أفريقيا ودول الجوار حتى مصر وليبيا.. وبالتالي الدول نفسها لديها مندوبون هنا وهم ضباط مخابرات.. وبعضهم معروف في إطار التعامل بيننا وبين مصر في ذلك الحين.
} هؤلاء المعروفون هم الملحقون العسكريون وضباط الأمن في السفارات؟
– نعم، وغير الملحق العسكري يوجد ضابط مخابرات، ووقتها كان يوجد ضباط مخابرات معروفون في إطار التعاون بين الأجهزة، وفي (عهد مايو) كان لدينا تعاون مع ستة عشر جهاز مخابرات، منها السعودية والإمارات والكويت ومصر والمغرب.
} وكيف يأخذ النشاط غير المكشوف أو غير الرسمي للمخابرات أشكاله.. وكيف يتم الكشف عنه؟
– هناك دول أصلاً علاقة السودان معها تتسم بالعداء، ودول أخرى السودان لا يعترف بها مثل إسرائيل، وبالتالي ليس لدينا وجود عندهم هناك حتى على مستوى السفراء، وإسرائيل بطبيعة اهتمامها بأفريقيا لا يمكن لها أن تتجاوز السودان كمحطة مهمة تربط بين الدول العربية الأفريقية مع الدول الأفريقية مثل كينيا ويوغندا وزائير وأفريقيا الوسطى، وفي ذات الوقت هي الدولة الوحيدة التي تربط ما بين أثيوبيا وإريتريا، وما بين دول غرب أفريقيا.
} وهل رصدتم أي نشاط للمخابرات الإسرائيلية في ذلك الوقت.. وكيف تعاملتم معه.. وكيف كان نشاطه؟
– أكثر فترة ظهرت فيها إسرائيل وأصبح لديها نشاط واضح وموجود ومعلوم وشاهدناه، كان في فترة نهاية السبعينيات والثمانينيات وصاعداً، وكان هناك وجود إسرائيلي وملاحظ في اهتمامات بعض ضباط المخابرات الغربيين أو الأمريكيين في قضايا تعدّها إسرائيل بالنسبة لها قضايا حيوية وذات أهمية، والموضوع اتضح أكثر في قضية الـ(فلاشا) في العام 1984م، عندما تبين أن هناك بعض ضباط المخابرات الإسرائيليين موجودين داخل السفارة الأمريكية ومهتمون بقضية الـ(فلاشا) وترحيلهم، وهذا لم يتم بعلمنا ولكن لاحظنا وجود بعض الدبلوماسيين الذين يأخذون صفة دبلوماسي أمريكي، ولاحظنا وجودهم في معسكرات الأثيوبيين في (تواوا) في منطقة (القضارف)، وكان يوجد يهود أثيوبيون (فلاشا) وكانت لدينا معلومات تصل إلى درجة اليقين بأن ضباط المخابرات الأفريقية الذين كانوا يعملون في السودان كانوا ينفذون أجندة إسرائيلية بطبيعة المعلومات التي كانوا يجمعونها من السودانيين أو المصادر التي كانوا يجندوها أو حسب الوثائق التي حصلنا عليها، وإسرائيل كانت تعتمد على بعض المصادر ذات الوجود الحسي من الـ(موساد) موجودة في السودان وتحمل بطاقات دول أخرى.
} أصولهم إسرائيلية؟
– لا.. هم أصلهم في الـ (موساد)، ويأتون إلى هنا عبر ساتر وعلى أساس أنهم دبلوماسيون أمريكيون، بالإضافة إلى أن بعض العاملين في مكتب المندوب السامي للاجئين التابع للأمم المتحدة، وتوجد فيه بعض العناصر موجودة هناك وتأخذ سواتر معينة، وفي غيرها من المنظمات، ويدخل الـ (موساد) تحت غطاء منظمات الأمم المتحدة وغيرها.
} نشرت الـ (موساد) معلومات عن وجود محطة متكاملة لها في السودان منذ سبعينيات القرن الماضي.. هل كان ذلك معلوماً لكم في جهاز الأمن في ذلك الوقت؟
– الـ (موساد) من أكثر الأجهزة التي تعتمد على التقنيات الحديثة، وعندما يقول وزير الأمن الإسرائيلي السابق إن الـ(موساد) استطاع أن يقوم بعمل رائع في دارفور وجنوب كردفان وجنوب السودان، وحسب متابعتي، فإن ذلك يتم عبر أجهزة معينة، وهناك دول أفريقية لديها صلات وطيدة جداً مع إسرائيل.
} ما هي تلك الدول؟
– لا أريد الإفصاح عن أسماء، لأنها قد تحرج الموقف الرسمي، ولكن هناك قوات بعض الدول الأفريقية التي تعمل في دارفور ولها وجود كبير، ومعروف أن تلك الدول لديها ارتباطات كبيرة جداً مع إسرائيل، وحتى أمريكا كانت حريصة على وجود بعض الدول في قوات حفظ السلام الأفريقية في دارفور، وركزت على دولة بعينها.. في العام 2004م، وكنا في أديس أبابا، وطلبوا معدات لتذهب إلى دارفور، وتفاصيل الأشياء توضح أنها لا يمكن أن تكون احتياجات طبيعية لدول أفريقية عادية، مثلاً من ضمن الأشياء المطلوبة حددوا (500) ماكينة حلاقة وأمواس من ماركات محددة وأشياء أخرى.
} وما علاقة ماكينات الحلاقة والأمواس بعمل المخابرات؟
– شيئان.. هما، أن يكون المسمى الظاهر ماكينة حلاقة لكن أصل الموضوع شيء آخر، والشيء الثاني أن هذه الأشياء نفسها والدولة المعينة التي تطلب هذه الأشياء يكون عدد من ضباطها وجنودها قد تلقوا تدريباً في إسرائيل، بالتالي تكون حريصة على الوضع المميز لأفرادها.
} وماذا عن المحطة التي كشفت عنها الـ(موساد) في السبعينيات؟
– الإسرائيليون لم يخفوا ذلك، وتحدثوا عن (عمل رائع) كما قلت لك في دارفور وجنوب السودان.. هذا يعني أن أجهزة حساسة جداً قد دخلت ووضعت في مناطق كثيرة جداً، ولا أستبعد أن تكون في (عهد مايو) أيضاً دخلت أجهزة تابعة لـ (موساد) ووضعت في منطقة من المناطق، ولكن أستبعد التسلل، وأعتقد أن ذلك تم في إطار التعاون بين أمريكا وإسرائيل، أو بين بعض الدول الأوروبية وإسرائيل.
} ألم تضبطوا في تاريخ الجهاز حادثة تجسس أو عملية نفذت لصالح الـ(موساد) أو الـ(سي أي أي)؟
– كانت مرة واحدة وهربوا عبر جنوب السودان، ومرة أخرى حدثت في شرق السودان في إطار عملية الـ(فلاشا)، ونزلت طائرة إسرائيلية في شرق السودان واكتشف ذلك اللواء “حسن ضحوي” وحملت الـ(فلاشا) وغادرت.. وأقول هذا لأن عملية الـ(فلاشا) الثانية كانت بعلم وموافقة حكومة السودان في ذلك الحين.
} وما هي تفاصيل الحادثة التي هرب فيها أفراد الـ(موساد) عبر جنوب السودان؟
– هؤلاء أيضاً جاءوا ليرتبوا لعملية اليهود الـ(فلاشا)، ولم يكن ذلك بموافقة حكومة السودان وتعقبتهم أجهزة المخابرات المضادة بقيادة العميد “أحمد الجعلي”، وتم القبض على واحد منهم، وبعدها تدخلت السفارة الأمريكية وتم إطلاق سراحه لاحقاً.
} وكيف دخل الـ(موساد) في تلك العملية إلى السودان؟
– دخل أفراده بجوازات دول أخرى، وتوجد وحدة كاملة داخل الـ(موساد) متخصصة بتقنيات عالية جداً تزود أفرادها بجوازات أية دولة وحسب المهمة.
} وكيف كنتم تتعاملون مع الدبلوماسيين الذين تكتشفون أنهم (موساد) في سفارات الدول الأخرى أو حتى منظمات الأمم المتحدة؟
– لا مجال لتقول له إنك كشفته، و(“مادلين أولبرايت” حصلت وزير خارجية أمريكية وهي يهودية)، و”ديفيد تشين” وصل إلى وزير خارجية في أمريكا للشؤون الأفريقية وهو يهودي، وفي هذه الحالات التعامل يتم عبر المراقبة والمتابعة الدقيقة والرصد عبر أجهزة التلفونات والاتصالات المختلفة، إلا إذا ثبت بالدليل المادي أنه تسلم وثائق معينة من مصدر سوداني أو غيره.
} وهل سبق أن ضبطتم مصادر سودانية تعاملت مع الـ(موساد) أو المخابرات الأمريكية؟
– ليس بالضرورة الـ(موساد)، وأذكر في فترة عملي كان يوجد ضابط مخابرات أثيوبي وتم إبعاده بطريقة خاطئة وكانت له صلة بأحد الصحفيين، وللأمانة الصحفي كان وطنياً وجاء إلى مبنى الجهاز وقال إن الأثيوبي طلب منه التعاون معه في مجال المعلومات، وأصبح يقابله باستمرار وكان ذلك في عهد “منقستو”، وكان الضابط الأثيوبي مسلماً من (هرر)، والجهاز نفذ أنجح عملية عميل مزدوج على الإطلاق، واكتملت كل وسائل النجاح بدءاً من الضابط المسؤول وهو العميد “أحمد الجعلي” وضابط المخابرات قرر أن يرحل إلى منزل آخر وهو منزل اللواء “محمود عبد الرحمن الفكي” وهو كان بالمعاش واتصل بنا وأخبرنا، وتم الاتفاق معه على أن يشترط على الأثيوبي أن يبقي على الخفير و(الجنايني).
} ولماذا طلبتم أن يبقي على الخفير و(الجنايني)؟
– هذان كانا أفراداً من جهاز الأمن جئنا بهما ليعملا في تلك المهام، وكل واحد منهما ظل يكتب تقريراً بشكل يومي عن الوضع من الداخل والخارج، بالإضافة للصحفي.
} ومن هو ذلك الصحفي؟
– لا نستطيع قول اسمه.. هو صحفي وطني.
} دعنا نقول اسمه ليكرم لعمله ذاك.. وأصلاً الفترة مضت وانتهت..
– لا.. مافي داعي.
} هل الصحفي موجود الآن؟
– نعم.. موجود.. حي وما زال يكتب.
} وماذا حدث بعد ذلك مع ضابط المخابرات الأثيوبي؟
– الصحفي طرح نفسه معارضاً لنظام “نميري”، وكانت تصلنا التقارير من الصحفي و(الجنايني) والبواب، وأصبح ضابط المخابرات الأثيوبي بالنسبة لنا كتاباً مفتوحاً، وكان وقتها “الفاتح عروة” هو ضابط المخابرات الذي يعمل في أثيوبيا، وكان مزعجاً لنظام “منقستو”، وفشلوا في اختراق الشبكة التي كان يتعامل بها، وكان يتحرك بطرق مختلفة وملابس مختلفة، ولديه شبكة غير معروفة، وبعد سقوط “منقستو” زار “الفاتح عروة” مبنى الأمن الأثيوبي وطلب ملفه هناك، ووجد عليه إشارات بالأحمر ووصفوه بأنه ضابط مخابرات خطير، وهناك حوادث أخرى تم التعامل معها في جهاز أمن مايو.

صحيفة المجهر[/JUSTIFY]

‫2 تعليقات

  1. إلتقي جيل البطولات بجيل التضحيات
    رحم الله الرئيس جعفر نميري فقد كان زعيمآ بحق وحقيقة
    وكان جهاز الامن في عهده من اميز الاجهزة الامنية في افريقيا والشرق الاوسط وكان حله من قبل الحكام الذين جاءوا بعد زوال نظام مايو اكبر غلطة في تاريخ السودان الحديث وضاعت كفاءات كانت تحمي البلد وتضعه في حدقات عيونها وبعدها وبإنشغال الحكام الجدد بتوزيع الغنائم صار السودان مسرحآ مفتوحآ لكل من هب ودب يعيث فيه فسادآ كما يشاء مطمئنآ بأنه ليس هناك من يسأله من انت ومن اين أتيت وماذا تفعل وبعدها جاءت الطامة الكبري التي كان نتيجة توليها مقاليد الحكم تقسيم الوطن وحروب عبثية لا تنتهي وجوع ولحس كوع

  2. هذا الشخص لو كان أوروبي لملأت مذكراته اصقاع الدنيا كلنا قرأنا مذكرات تشرشل عندما كانت تباع الكتب مفروشة على الارض امام المسجد الكبير بالخرطوم ايام الكتاب هو الصديق..لكن زي عمك دا تلقاه من صيوان لصيوان يشيل في الفاتحة ومن مستشفى لمستشفى عندنا اخونا فلان دا عملوا ليه عملية ماشين ليه….وذهب الجمل بما حمل..والذاكرة السودانية ملأة بالوان الورود الجميلة والخبرات الرصينة لكننا لا نوثق هذه الاشياء لذلك لا مرجعيات علمية لدينا
    اكتب مذكراتك سجل اسمك في سجل التاريخ حتى يستفيد هذا الجيل من خبراتكم..اين الجيل الذهبي ذهب مع الريح الى غير رجعة.عندما يتقاعد مثله في امريكا اول شيئ يعمله كتابة مذكراته