مرضى الكلى في الخرطوم.. معاناة تحت “أزيز” ماكينات الغسل
مرضى الكلى في البلاد، رغماً عن المراكز والمشافي المنتشرة هنا وهناك، والمخصصة لعلاجهم وما يقدم من خدمة علاج الغسل المجاني تظل متاعب وتبعات العلاج هي الوجه الآخر والمضني للمرضى وذويهم على الدوام.. العلاج والغذاء النوعي الذي من المفترض أن يتوافر لمريض الفشل الكلوي هو بذاته ضرب من الرهق المعنوي والمادي، شراء الفيتامينات وبعض العقاقير التي تستخدم قبل وبعد الغسل بجانب إجراء الفحوصات الدورية.. فضلاً عن نفقات الترحيل من وإلى مركز الغسل، وتبعات استئجارات المنازل والسكن لأولئك القادمين للعلاج من أطراف البلاد وولاياتها المتعددة، كل ذلك يزيد من معاناة الأسر التي ترافق مريض الفشل الكلوي.
أزيز “الماكينات”
في وحدة أمراض الكلى بمستشفى الخرطوم التعليمي، طاقم المركز الطبي المعالج ومعاونيهم وجدناهم في حركة دائبة لا تهدأ، أزيز الأجهزة وماكينات الغسل هو الآخر لا يسكت له صوت، المرضى على أسرتهم يباشرون علاجهم على نحو طبيعي رغماً عن تناثر بعد الماكينات المعطلة على جنبات بعض الأسرة في العنابر، داخل غرفة الحالات الطارئة بالمركز الوضع هو الآخر ذو بال.. الغرفة المخصصة للغسل تستهدف مرضى الحالات الطارئة (Emergency Cases ) الذين يتم تحويلهم من عيادات ومشاف لا تتوافر فيها الخدمة، المركز مع أهميته عدد ماكيناته لا يتجاوز (4) ماكينات.
جهاز المياه متعطل
عائدة عبد الله مريضة بالكلى امتدت معاناتها لقرابة السبعة أشهر في حديثها لـ(اليوم التالي) أبانت أن قدومها إلى مستشفى الخرطوم جاء نتيجة لتعذر العلاج في مركز علاج الكلى بكافوري وقالت بصوت خفيض: ” قالوا لينا جهاز الموية عطلان وجينا هنا”.
عن الحالات التي يجابه بها مركز الكلى بالخرطوم سألت الدكتور حاج حمد بوحدة العناية المركزة عن أكثر الحالات شيوعاً في وحدة الطوارئ فأجاب لـ(اليوم التالي): “في الغالب الوحدة تستقبل بانتظام الحالات الطارئة والحرجة لمرضى الكلى من المراكز المختلفة وغالب هؤلاء يعانون، وقد تكون حالتهم المرضية جديدة، أو يرجى علاجها، وكذا حالات الأمراض المحولة من العناية المكثفة، وحالات الفشل الكلوي المزمن”.
وتشير الإحصائيات إلى أن وحدة الطوارئ بالمستشفى تعمل على علاج 15- 20 مريضا بالغسل الدموي يومياً.
معاناة متجددة
حاولنا استنطاق مرضى الكلى وذويهم لنتعرف على ما يعانونه مع المرض وعلاجه، موسى علي جاذب من ولاية شرق دارفور يمتهن الأعمال الحرة، أكد لـ(اليوم التالي) صعوبة الغسل في الفترات السابقة بسبب الأعطال التي تحدث في مراكز العلاج، وكثرة المرضى الذين يتزاحمون على المستشفى مما يخلق ضغطاً على المركز وأجهزته التي غالباً ما يتعطل بعضها، موسى لم يشك من سوء تعامل الأطباء أو أي كادر معالج غير أنه يتمنى لو توافرت الأجهزة والماكينات وكانت كافية ليأخذ كل مريض حصته من الغسل، وعن مباشرة حياته مع المرض قال: “أنا بجلس للغسل عادي وفي يوم العلاج بترك عملي وبباشر الشغل في بقية الأيام”. أما وليد بلال فحكى لـ(اليوم التالي) تبعات مرض والده الذي يتعالج من الكلى بالغسل الدموي منذ العام 2000 سيما وأن الأسرة بالجزيرة مما اضطرهم للاستئجار في الخرطوم وقال إنه ترك عمله لملازمة والده، وليد لا يخفي شكواه من تبعات التنقل والاستئجار والصرف على العلاج وغيرها مما يشكل ميزانية إضافية ترهق كاهل الأسرة إضافة إلى معاناة والدهم من مرض الكلى.
الصبي آدم محمد هو الآخر اضطرته ظروفه ليكون رهن الإقامة في حوادث مستشفى الخرطوم إذ أن مرضه -فشل كلوي- لا يسمح له بالبقاء في عنابر الحوادث، واستعرض لـ(ليوم التالي) حكايته مع مرض الكلى التي بدأت منذ عام ظل خلالها يجالس ماكينات الغسل للعلاج من الفشل الكلوي، بعد أن قدم من دارفور من (كتينة)، وقال بحزن وأسى: “خالتي تولت رعايتي منذ وفاة أمي وأنا عمري 3 شهور، لا عائل سواها.. قدمنا للخرطوم للعلاج.. لا أحد ينفق علينا.. الأطباء يطمئنونا ويجودون علينا بالمال.. أنا هنا في عنبر الحوادث وعلمت أن المريض لا يقيم في المستشفى.. فبعد الغسل يمكن أن يذهب حيث أتى.. لكن ليس لدينا أهل ولا مال ومعارف في العاصمة أهلنا هم من يجود علينا هنا من أطباء وعمال في مستشفى الخرطوم”.
ضغط رهيب
في عنابر الكلى بوحدة أمراض الكلى بمستشفى الخرطوم التعليمي، يشكو الأطباء من ضغط العمل لجهة كثرة التردد على الوحدة من طالبي خدمة العلاج وبحسب إحصائيات المركز فإن عدد جلسات الغسل تصل في اليوم إلى عدد 100 جلسة غسل في اليوم والتردد على مركز الطوارئ بالوحدة يصل إلى 20 جلسة غسل في اليوم، وعدد جلسات الغسل المنتظمة في الشهر تصل إلى حوالي 286 جلسة غسل تقريباً.
ونظر للضغط الرهيب على الوحدة وكثرة طالبي العلاج فإن الوحدة نظرا لإمكاناتها المحدودة تخفض في بعض الأحيان عدد جلسات الغسل من 3 إلى 2 حتى يتمكن الآخرون من العلاج.
تبعات العلاج
يؤكد المعالجون من الأطباء في مراكز الغسل والاستشفاء من أمراض الكلى أن العلاج لأصحاب الأمراض المستعصية التي تتطلب الغسل يجابهون بصرف مالي آخر أثناء العلاج وذلك من خلال الصرف على الغذاء باعتبار أن الغسل يحتم الانخراط في برنامج غذائي خاص، وكذا في الصرف على العلاجات التي تسبق جلسات الغسل أو تليه مثل فحوصات الفيروسات وفحوصات البول ووظائف الكلى والمناعة وغيرها من التبعات المالية للمريض وأسرته.
مشكلات الماكينات في مستشفى الخرطوم
وفي جولتنا داخل مستشفى الخرطوم في وحدة الكلى وجدنا نوبات العمل للمشرفين على العنابر على أشدها لجهة أن التنويم لكل مرضى الكلى لا يتجاوز الـ(7) أيام لبعض الحالات في حين أن أصحاب جلسات الغسل يغادرون الوحدة حال انتهاء جلسة الغسل، غير أننا لاحظنا وجود بعض الماكينات المتعطلة في بعض العنابر مع وجود قسم هندسة طبية به مهندس يشرف على الماكينات وتفقدها وصيانتها إذا لزم الأمر.
جلست إلى دكتور محمد عبد الله جميل مدير وحدة الكلى بمستشفى الخرطوم وطرحت عليه قضية مرضى الكلى والغسل والماكينات، فابتدر حديثه لـ(اليوم التالي) بأن التيم الطبي العامل في الوحدة يعمل في ظرف استثنائي وصعب للغاية وأن الضغط على الوحدة كبير جداً والمخصصات ضعيفة، شارحاً: “نعمل بجهد أكثر من غيرنا من المراكز النظيرة ولا نخص بأجر مميز. كثيراً ما ندفع من مالنا لعلاج المرضى، لدينا اتصالات بجهات خيرة لتوفير نواقص الطوارئ واستطعنا أن نجلب ماكينتي غسل من صندوق إعانة المرضى”.
قلت له ما أس مشكلة الماكينات وتعطلها؟ فرد: “لدينا 32 ماكينة غسل كلى؛ التي تعمل هي 25 ماكينة أما الـ 7 ماكينات فهي معطلة، هناك 38 ماكينة بحالة جيدة عبارة عن تبرع للوحدة من الأطباء السودانيين بأيرلندا وهي محجوزة بطرف المركز القومي لأمراض الكلى لم تصلنا إلى الآن، ولو وصلتنا بأكملها فإنها تحل مشكلة تخفيض عدد جلسات الغسل التي تناقصت عند البعض لجلستين بدل ثلاث، ويمكن أن تحل مشكلة جميع المترددين على الوحدة وطالبي العلاج وكذا مشكلات حالات الطوارئ التي لا تتوافر إلا في وحدة أمراض الكلى بمستشفى الخرطوم لذا نطالب مدير المركز القومي بالإسراع في فك حظر الماكينات التي بطرفه على وجه السرعة”.
صحيفة اليوم التالي
[/JUSTIFY]