مقالات متنوعة

التجربة الأسكتلندية

التجربة الأسكتلندية
من أين أبدأ لكم قصتي المعقدة أيها السادة ؟
أعتقد إن أنسب بداية هي عندما أخبرني صديقي إبراهيم بأن جارتنا( مستورة ) قد قررت أنها تريد الزواج مني …. مستورة جارتنا شبه المجنونة ، الضئيلة ، السريعة الحركة والتي يناديها الأطفال ب ( مستريو ) تيمنا بالمصارع الشهير بصغر حجمه ، كانت من النوع الذي يمكنني أن أطلق الرصاص على نفسي بضمير مستريح قبل أن أفكر مجرد تفكير فيها .. قلت له :
– شوف يا إبراهيم ، أنا عارفك عايز تتزوج ولسه ما لقيت بت الحلال البتناسبك ، لكن لو شايف انو مستورة دي أنثى ، فأنا أنصحك بصراحة إنك تزور مستشفى مكة
ورجعت إلى منزلنا ذلك اليوم … أنا عاطل بلا عمل بالمناسبة ، وحاصل على دبلوم تقني من تلك المعاهد الغامضة التي لا يعرفها أحد ولا يقتنع بشهاداتها أحد ، وهذا يعني إنني سأظل عاطلا للأبد في السودان .. وجدت جارتنا حليمة ومعها إبنتها الشابة نوسة يتبادلن النميمة مع أمي ، وكان محور الحديث الوحيد هو نوسة التي لم تتزوج حتى الآن ، وبينما أنا أمر بينهم سمعت حليمة تقول لأمي :
– والله يا أم عبدو أنا خاتة دهبي ده كلو ليها ، بس اليجي ود الحلال
حينها جاءتني الفكرة الذهبية التي ستفتح لي أبواب الثراء .. ليس فكرة أن أتزوج نوسة لا سمح الله ، لأنني أفضّل أن أسكب جالون بنزين كامل على نفسي وأشعل النار فيها قبل أن أفكر فيها .. وفي مساء نفس اليوم زرتهم في بيتهم وأتممت الإتفاق .. هي تريد زوجا جاهزا لإبنتها ، وأنا أعرف أحمق جاهز لهذا الأمر ، فقط عليهما دفع المعلوم وأنا سأتكفل بالباقي ، وقالت لي نوسة وهي تكاد تبكي فرحا :
– لو أقنعتو يا عبدو حأديك موبايلي هدية إضافية غير الحتديك ليهو أمي
وفي اليوم التالي كنت مع أجلس مع إبراهيم وأقول له :
– عارف يا زلاتان ( إسم دلع ) ، أمس الليل كلو ما نمت والله
– هههههههههه بقيت تحب ولا شنو يا معلم ؟
– لا والله .. كنت راقد في الحوش وطوال الليل سامع صوت بت بتتلي قرآن في البيت الجنبنا .. تتصور لقيتها نوسة بت جيرانا ؟
نظر لي بعدم تصديق فأكملت وأنا أهز رأسي تأثرا :
– يالله على صوتها الخاشع الشجي .. ما مصدق في زمنا ده ممكن تلقى بت بتعمل كده .. يالله
قال لي مندهشا :
– نوسة يا عبدو ؟ نوسة برشلونة المثبتها حاليا طارق أبو طويلة ؟
تم إطلاق لقب ( نوسة برشلونة ) عليها من قبل شباب الحي لأنها تنتقل من شاب لشاب أسرع من إنتقال الكرة بين أقدام لاعبي برشلونة .. قلت له مدافعا :
– دي مجرد حكايات وهمية بحكوها بيناتهم ، إنت يوم واحد شفتها مع واحد فيهم ؟ وحتى لو كان ده صحيح حصل قابلتك واحدة بتقيم الليل زيها ؟ والله يا إبراهيم لو كان عندي إمكانيات كنت عقدت عليها بكره ، ما تتصور أنا أتأثرت قدر شنو من تلاوتها أمس
وهكذا زرعت الفكر الأولى في رأسه .. وفي الأيام التالية كنت أخبره بالتفصيل عن مواقف لا تصدق عن نوسة .. أخبره عن عطفها وحبها للأطفال ، وعن رعايتها وزيارتها لجدتها ونشاطها فيردم البرك ومكافحة الملاريا ، ولولا خوفي من المبالغة في الكذب لحكيت له عن تبرعها بالدم لصالح أطفال غزة .. المهم لم يمض شهر على هذا حتى وقع الطائر في الشرك وتم إعلان عقد قران إبراهيم على نوسة .. وفي نفس اليوم ومع أول زغرودة بعد العقد كنت أنا أتسلم مبلغ محترم من أم العروس ومعه موبايل نوسة الفاخر الذي لن تحتاج له بعد الآن .. لقد جمعت رأسين في الحلال الآن وتبقى فقط أن أجد مكان لأختفي فيه من إبراهيم بعد عودته من شهر العسل …. في الأيام التالية صرت قبلة لأمهات الآنسات الراغبات في تزويج بناتهن وما أكثرهن في الحي .. وهكذا أنشأت وكالتي السرية وقمت بأعمال مبهرة يعجز عنها مأذون الجان نفسه .. فقد زوجت طارق أبو طويلة ل( عشة القشة ) التي أنا مستعد للنوم عاريا في زلط السوق العربي الساعة الثانية ظهرا وتمر من فوقي عجلات تراكتور زراعي قبل أن أفكر فيها .. وزوجت عصام ( الشفت ) ل كلتوم ( الأشفت منو ) والتي لو إنتظرت يوما إضافيا في بطن أمها لخرجت بقرة فرزيات كاملة .. ولولا بقايا حياء في داخلي لزوجت أبرهيت الحبشية ست الشاي لشيخ الطيب أمام مسجدنا الشاب …. كانت أيام جميلة ساهمت فيها بفعالية في القضاء على العنوسة في حينا ، ولكن مثل أي شئ أخر جميل ، تدخلت الحكومة لتفسده .. فمشكلة العنوسة كانت كبيرة ومستفحلة في بقية أرجاء الوطن مما جعل الحكومة تلجأ بقوة لتطبيق التجربة الإسكتلندية .. والتجربة الأسكتلندية أيها السادة تنص أنه في يوم 28 مارس من كل عام تخرج النساء للشارع وكل من وقع في قبضة إحداهن من الرجال يتم تزويجه لها بقوة القانون ، وعندنا هنا قرر البرلمان إجراء التجربة كل يوم أربعاء في الأسبوع ، لهذا يا سادة وفي كل يوم أربعاء في وطننا تحدث ظاهرة يندر وجودها في بقية أنحاء العالم .. يختفي الرجال .. في المرة الأولى أعلن البرلمان للفتيات إن رجال الشرطة والقضاة والوزراء وموظفي الدولة ، معفيين من التجربة ولكنهم نسيوا أصحاب البقالات والأفران وسائقي السيارات والأطباء ألخ الخ فهاجمتهم النساء وظفرت ( حواء الطرشاء ) جارتنا بأخصائي أنف وأذن وحنجرة من المستشفى بأمر القانون … ولتنظيم الفوضى تم إعفاء المذكورين أعلاه وصار من المعتاد أن ترى رجلا في البقالة وعلى ظهره لافتة مكتوب عليها ( أقسم بالله متزوج بأربعة ) … إذا رايت رجلا في ذلك اليوم ، فتأكد إنه إما شرطي أو وزير أو كائن فضائي ، لأن الشيطان نفسه أخطأ ذات يوم ونزل الشارع ، فتزوجته ( حنونة المجنونة ) جارتنا… بالنسبة لي أنا فقد ظللت مختفيا تماما في بيتنا لأن هناك معلومات من مصدر موثوق أكدت لي إن مستورة ( مستريو ) في حالة قنص مستمر بإنتظار هفوة مني .. وذات أربعاء مشئوم إتصل بي صديقي إبراهيم قائلا بحزن :
– تعال لي البيت يا عبدو .. أمي أتوفت
نهضت بسرعة ولبست وخرجت ، وبينما أنا أفتح الباب تذكرت إن أم إبراهيم توفيت ونحن في المدرسة الإبتدائية ، ولكن قبل أن أتراجع أمسكت مستورة بيدي بحرفنة وجذبتني للخارج بقوة لترميني أمام العسكري وهي تقول بفرح :
– سجل إسمو يا جنابو .. إسمو عبدو
ونظرت للواقفين .. مستورة والعسكري والمأذون و.. إبراهيم .. وبينما مأذون الطوارئ يدون بيانتي نظرت لإبراهيم وقلت له قولتي المشهورة التي سيرددها الناس من بعدي :
– تبيعني أنا يا إبراهيم ؟
قال لي بحقد :
– وأبيع عشرة زيك .. هه ؟ بتقيم الليل وتقرأ قرآن كمان ؟
أنا أكتب هذا الكلام في مساء نفس اليوم وأنا أحبس نفسي في الحجرة وفي الخارج مستورة والعسكري وأمي وإبراهيم يضربون الباب ليحطموه وأمامي مسدس وحبل وجالون بنزين .. سييقتحمون الباب في أي لحظة ، لذلك أخبروني بسرعة أي وسيلة أختار ؟

د.حامد موسى بشير