الطاهر ساتي

ياخ فتش كويس.. المنطق داخلي..!!

ياخ فتش كويس.. المنطق داخلي..!!
[JUSTIFY] ** (عندما ينبعج الليل ويسدل الظلام أستاره الرمادية، ترسل كيمياء عشقي أنفاس الزمرد السرمدية.. ويلج رحيق الشذى إلى فيزياء قلب الحبيبة سريعاً مثل المطر.. والغبار ببتسم سراً وتضئ في سماء الوطن كينونة الحب الكامن في فضاءات التمرد.. وتفوح زهرة البنفسج في وجه الشفق وتشكل قوس قزح عجيب).. أو هكذا تقريباً ذاك النوع من الشعر المسمى بالحر.. وهو – فعلاً – حر لحد الفوضى، بحيث يكتب شاعره ما يشاء وكما يشاء، ولا ينتقده أحد.. وعندما تسأله: (أين موسيقاه؟)، يرد بمنتهى الثقة: (موسيقاه داخلية)، بمعنى: لو فتشت كويس بتلقى الموسيقى جوه كلامي داك.. وعليه، إذا تواصل تدهور الصحافة بذات الوتيرة، قد نستبدل مهنتها بمهنة (الشعر الحر)، ونأتي بالعبيد المروح – ذاااااتو – أميناً عاماً للمجلس الأعلى للشعر الحر، وليس بالضرورة أن يكون بالبلد قانون يمنع الجمع بين ثلاثة مناصب، فالمهم هو أن نكتب ما نشاء وكما نشاء، ولا ينتقدنا ناقد، وإذ سألنا أي سائل – شليق – عن موسيقى أشعارنا، سوف نزجره بمنتهى الثقة: (يازول إنت عميان؟، فتش كويس، بتلقى الموسيقى جوه)..!!
** وقرأت أول البارحة – بصحيفتنا هذه – مرافعة للدكتور أمين حسن عمر وزير الدولة برئاسة الجمهورية لصالح قرار رفع الدعم عن الوقود.. قرأتها مرة وأخرى وثالثة، ثم همست لعقلي: لا عليك، ربما هي نوع – جديد لنج – من الشعر الحر، بيد أن زميلتنا لينا يعقوب لم تنتبه جيداً، فنشرتها في مساحة السياسة بدلاً عن نشرها في صفحة الثقافة والآداب.. مرافعة ذات مفردات رنانة ولكن حين تبحث عن المنطق في ثنايا الأسطر ومفرداتها يرتد إليك عقلك خاسئاً وحسيراً وخاوياً، ولذلك طويت الصفحة بلسان حال قائل: (يمكن أنا عميان، قطع شك المنطق جوه).. على سبيل المثال، سألته الزميلة: ارتفع الدولار والآن يتم يرفع الدعم عن الوقود، ألا تعتبر ذلك سبباً كافياً للاحتجاج والتظاهر؟،، فيرد الوزير بالنص: (ليس صحيحاً أن رفع الدولار سيؤثر على الأسعار، إنما سيخفضها لأن الناس لم تكن تحسب على دولار بنك السودان إنما على دولار السوق بالزيادة، كل الأسعار محسوبة على الدولار الذي كان موجوداً من قبل).. فلنتأمل الرد بحثاً عن المنطق، إذ ينفي سيادته أثر رفع سعر الدولار على أسعار السلع، بل يؤكد بأن رفع سعر الدولار سوف يخفض أسعار السلع، لأن الناس لم تكن تحسب أسعار سلعها بسعر دولار بنك السودان، بل كانت تحسب بسعر دولار السوق الموازي، أو هكذا نص المرافعة.. والمختصر المفيد لكل ذاك النص الحر هو: (رفع سعر الدولار في السوق الموازي سوف يساهم في تخفيض أسعار السلع).. وقد تسأل حائراً أيها الصديق: (أين المنطق في هذا الحديث)، ولن تجد عندي غير الزجر: (ياخ إنت عميان؟، فتش كويس، المنطق جوه)..!!
** ومثال آخر، تسأله الزميلة: لماذا تعتقدون بأن رفض قرار رفع الدعم عن الوقود يدخل في طائلة زعزعة الأمن والاستقرار في الدولة؟،، فيرد بالنص: (ليس صحيحاً، هناك طرق شرعية وقانونية للاعتراض على قرارات الحكومة، وهناك طرق غير قانونية أو دستورية، نحن نفرق بين شغل التعبئة والتعبير.. الدولة تتعامل مع حالات التعبير بكثير من التجاوب ودون غضب، لكن التعبئة نردعها فوراً لأنها خروج عن القانون، والتعبئة تأتي من أحزاب تعلن أنها تريد إسقاط الحكومة بطريقة غير دستورية).. ممتاز، ليس هناك مايمنع التعبير الشعبي، ولكن لا لتعبئة الأحزاب..كلام زي الورد.. ولكن، فلنقرأ هذا النص في ذات المرافعة، عندما سألته الزميلة عن توقعاته لرد فعل الأحزاب تجاه قرار رفع الدعم، وبأن هذا القرار قد يستفز الأحزاب، إذ يقول الوزير: (تستفز شنو ياخي؟ من الذي يتحدث الآن باسم المعارضة؟ حزب البعث أم الحزب الناصري أم المؤتمر الشعبي؟؟.. الشعب السوداني يعرف أوزان هذه الأحزاب ونحن لا نحتاج لنتحدث عن أوزانها).. وعليه، هناك – في النص الأول لا يمانع الوزير عن التعبير الجماهيري ولكن يرفض تعبئة الأحزاب لتلك الجماهير، ولكن هنا – في النص الثاني- يؤكد بأن الأحزاب لاوزن لها.. أي، مختصر النصين (نرفض ونكافح تعبيئة الأحزاب للجماهير، وبالمناسبة الأحزاب دي ماعندها وزن جماهيري).. قد تسأل حائراً: أين المنطق في خضم هذا التناقض؟.. وسؤالك يؤكد جهلك بقواعد الشعر الحر، وكذلك المرافعة الحرة، فالمنطق داخلي.. أي، (فتش كويس ياخ، المنطق جوه)..!!
[/JUSTIFY]

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]