تحقيقات وتقارير
صراع المحاور العربية:السودان.. البحث عن منطقة وسطى
وقطعاً كان لدى البعض رأي آخر، آثروا التعبير عنه ليس من داخل القمة كما تمنى الأمير بل بمقاطعتها نهائياً. وربما رأوا أن هذه الطريقة أبلغ في إيصال ذلك الرأي الآخر من كل الكلمات التي ستقال من الداخل.
فالمجيء الى دوحة العرب، بات برأي البعض انحيازاً لمحور عربي على حساب آخر، كما أن المشاركة في قمتها الطارئة تعد انحيازاً للمقاومة وهو ما جعلها من غير قصد فيما ظهر لهم قمة تكرس للإنقسام والتشرذم العربي. بل والانقسام حتى داخل الدولة الواحدة في أمر المشاركة التي جاءت على نحو خجول من بعض الدول العربية.
وعلى النقيض من ذلك، كانت مشاركة السودان في قمة الدوحة الطارئة من أجل غزة، حيث كان الرئيس عمر البشير أول الواصلين الى هناك والى جانبه مسؤولون كبار أبرزهم د. نافع وصلاح قوش ود. مصطفى عثمان إسماعيل وعلي كرتي وآخرون. وهو ما دفع البعض الى تصنيف السودان ضمن محور المواجهة الى جانب كل من سوريا وقطر والجزائر واليمن رغم غياب رئيسها عن القمة.
وفي المقابل يقف محور عربي آخر على رأسه مصر والمملكة العربية السعودية والأردن والكويت والإمارات، ودول أخرى يربط بينهما خيط متين من المصالح مع الغرب، والمخاوف من المقاومة، أقوى بكثير من ذلك الذي يربطها بدول المحور الأول.
وفي السياق، كانت الكثير من التحليلات السياسية والمراصد الصحفية أمس الأول تضع السودان ضمن محور المواجهة الذي التأم أخيراً في الدوحة، لكن د. غازي صلاح الدين العتباني مستشار رئيس الجمهورية نفى أن يكون السودان قد دخل ضمن صراع المحاور بين الدول العربية في التعامل مع الأوضاع في غزة.
وقال د. غازي لـ«الرأي العام» إن السودان ظل يطالب بالفرز بين متطلبات المرحلة ومقتضياتها والتنافس بين الأطراف العربية، وبرهن غازي على موقف السودان الرافض لاستقطاب المحاور بمشاركته في قمتي الدوحة والكويت.
لكن البعض يرى أن السودان مصنف مسبقاً ضمن محور المواجهة، ويدللون على ذلك بأنه كان من أول الواصلين الى الدوحة ولم يتأخر قليلاً حتى تتضح الرؤية بصورة أكثر.
ويرى البعض ان فكرة المحاور الموجودة منذ وقت طويل في المنطقة العربية وتبرز الى السطح مع حدوث أية مشكلة. كما حدث أخيراً في غزة التي دفعت البعض دفعاً الى مغادرة المنطقة الوسطى وتوضيح مواقفهم على نحو اكسب البعض رضاء شعوبهم كما أكسب آخرين سخطها.
وعلى ضوء ذلك، يقسم مراقبون سياسة المحاور بالنظر الى طبيعة العلاقة بين الأنظمة والشعوب، فالأنظمة التي تحاول أن تساير الشعوب الداعمة بالطبع للمقاومة والرافضة للسياسات الأمريكية في المنطقة تمثل المحور الأول. أما المحور الثاني، فلا تكترث دوله كثيراً بآراء الشعوب لأن مصالحها مع الغرب تجعلها تعلي من قيمة التفاوض والتفاهم وتعده طريقاً أوحد لإعادة الحقوق الفلسطينية المسلوبة.
وليست العلاقة الجيدة وحدها هي التي تدفع دولاً مثل السعودية ومصر والاردن وبعض دول الخليج لأن تقف في محور الاعتدال. أو المعسكر ضد المقاومة إذا شئت تسمية الأشياء بمسمياتها، وتدفعها الى ذلك فيما يبدو وجود «مقاومات» داخل بعض هذه الدول ستتقوى لا محالة في حال انتصار المقاومة في فلسطين، الأمر الذي يشكل خطراً عليها.
وكان السودان سيكون بمنأى من تقسيمات المحاور إذا ما تجاوزت الدول العربية حالة التشظي وصراع القمم الذي أفضى الى «فرز الكيمان». فقد كان من الممكن تجاوز ذلك إذا وافقت الجامعة العربية على عقد القمة العربية الطارئة وأدارت ظهرها الى مجلس الأمن الذي استجدته طويلاً وخرجت منه بقرار كسيح غير قابل للوقوف على الواقع في غزة أمام الرصاص المنسكب هناك.
لكن لم يعد صمت المحور الآخر «محور سوريا.. قطر والسودان..» ممكناً مع استمرار المجازر في حماس والغليان الشعبي الذي كان بحاجة الى تنفيس ولو بمثل انعقاد قمة الدوحة التي أعلنت انحياز الدول المشاركة فيها الى شعوبها برأي الرئيس السوري بشار الأسد.
والأسئلة التي تطرح نفسها هنا، إذا كان السودان واقفاً في منزله بين المنزلتين – أو بالأحرى بين المحورين، فهل كانت مشاركته في قمة الدوحة مصحوبة بحسابات الربح والخسارة؟ وهل ما أفضى اليه حراكها من طحين قادر على إشباع مواقفه غير المنكورة من المقاومة؟ وهل يعني مشاركته في قمة الدوحة تصنيفاً له بطريقة ستجر عليه المزيد من المشاكل الدبلوماسية من قبل الدول ذات التأثير الكبير في المنطقة التي يحتاج قطعاً الى مساهمتها ووقوفها الى جانبه؟
ومهما يكن من أمر، فإن الإجابة على تلك التساؤلات تحتاج الى بعض الوقت حتى تتضح الصورة بشكل أكبر في قمة الكويت غداً،
فتح الرحمن شبارقة :الراي العام [/ALIGN]