[JUSTIFY]
رغم الجهود التي تبذلها الحكومة في طي أزمة مناطق جبال النوبة والنيل الأزرق وإنهاء أزمة التمرد التي تتزعمها الجبهة الثورية بمعية الحركة الشعبية قطاع الشمال المسوغ الحقيقي للأزمة هناك، إلا أن المناطق آنفة الذكر قد شهدت أخيراً أوضاعاً إنسانية قاسية، خاصة الهجمة الشرسة التي شارك فيها عبد العزيز الحلو نائب الوالي بجنوب كردفان متمرداً على الحكومة وإعلان اختياره حمل السلاح مع حلفائه الآخرين، مالك عقار وياسر عرمان رفقاء الدرب في قطاع الشمال، الشيء الذي دفع بالأوضاع الإنسانية للمنطقة لتظل محل جدل كثيف، بما فيها أخيراً ما يتعلق بعمليات التحصين التي تقودها مجموعة من المنظمات العالمية التي وجدت معاملة قاسية من قطاع الشمال، وتم حرمانها من الوصول للأطفال في المنطقتين. فالعديد من تلك المنظمات منعت من العمل بمناطق التمرد على حد قولها، لجهة رفض القطاع السماح لها للوصول إلى الأطفال المراد تحصينهم. وأرجعت هذه المنظمات الأمر إلى نوايا القطاع الرامية إلى تجنيد هؤلاء الأطفال قسرً، الشيء الذي يمنعه القانون الدولي ويعاقب عليه. ولكن في المقابل نجد أن المناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة ولم يصلها المتمردون قد تم تحصين أطفالها بحسب تلك المنظمات، وقد نقلت تقارير تؤكد أن أكثر الفئات تضرراً هي شريحة الأطفال من عدم وصول خدمات الرعاية الصحية الأولية «التطعيم» على وجه الدقة. وقد جدد الوطني اتهامه لقطاع الشمال بالحركة الشعبية باستخدام المواطنين كدروع بشرية في وقت سابق، وأكد أن قيادة القطاع تريد جعل المواطنين ستاراً ليقتاتون من خلفه ويدعمون به جيشهم. وقال إن حديث بعض المنظمات حول حجبهم من تقديم الخدمات الصحية لأطفال تلك المناطق من قبل الحركة الشعبية قطاع الشمال بمناطق التمرد وعدم السماح لهم بوصولها، يؤكد أن قيادة القطاع تنتهك الحقوق المدنية وتخالف القوانين الدولية بتجنيدها للأطفال القصَّر، وأضاف أن فلسفة المتمردين تقوم على التمترس خلف المواطنين والحصول على الدعم الإنساني لتقوية قواتهم، وأردف أمين أمانة العمل الطوعي بالمؤتمر الوطني عمار باشري قائلا: «إن خير دليل على أن التمرد يستخدم المواطنين كدروع بشرية ويحول دون تحصين أطفال المناطق المأزومة في المنطقتين ما جرى إبان دخولها لــ «أبو كرشولا»، وحينها رأينا ماذا يفعلون بالمواطنين الأبرياء، وكيف كان قتل الأطفال والنساء بدم بارد، وأعتقد أنه الأنموذج الذي يريدون تطبيقه بالمنطقتين»، وأعلن قدرة الحكومة على إيصال المعونات الإنسانية إلى كل شخص محتاج سواء أكانت غذاء أو كساء أو حتى توفير الخدمات. وحمل مسؤولية الفشل إلى كل من مالك عقار وعبد العزيز الحلو ومنسوبيهم لخروجهم عن الدولة والقانون واختيار التمرد الذي تسبب في نقض الاتفاقية التي تحكم على مستوى التفاصيل التعامل مع قضايا المنطقتين. وقد فاجأت الحكومة المجتمع الدولي بعد أن أعلنت من طرف واحد وقف العدائيات لمساعدة الوكالات الدولية للوصول لأطفال المنطقتين لأجل تطعيمهم بالأمصال الوقائية. ويأتي تصاعد قضية تطعيم الأطفال بجنوب كردفان خاصة بالمناطق التي توجد بها الحركة الشعبية قطاع الشمال بعد أن أعلنت الأمم المتحدة منعهم الوصول للأطفال من قبل الجبهة الثورية وقطاع الشمال الذين ينوون بحسب تلك المنظمات، تجنيد هؤلاء الأطفال قسرياً، ونددت تلك المنظمات بتصرفات المتمردين وطالبت المجتمع الدولي بإدانتهم ومحاسبتهم وردعهم حتى يتسنى لهم القيام بواجباتهم الصحية بتنفيذ حملات التطعيم ضد شلل الأطفال ونقص فيتامين (A)، في الوقت الذي سهلت لهم الحكومة عملية الوصول لكل أطفال المنطقتين خاصة في المناطق التي تخلو من المتمردين. وقال منسق الشؤون الإنسانية المقيم، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالسودان علي الزعتري «لقد أُخبرت من قبل الحكومة بأنهم سيعلنون عن وقف عدائيات من طرفهم من الأول وحتى الرابع عشر من نوفمبر»، وأعرب الزعتري عن أمله أن تقوم الحركة الشعبية هي الأخرى بإعلان وقف العدائيات من طرفها وإعطائهم الضوء الأخضر، ليشرعوا فى حملات تطعيم الأطفال تحت سن الخامسة ضد شلل الأطفال ونقص فيتامين (A).ويقول الخبير الأمني العميد الأمين الحسن لـ «الإنتباهة» إن الحركة الشعبية قطاع الشمال ظلت على الدوام تفاجئ الكل بمواقفها التي قلَّما يمكن أن توصف به أنها غير منطقية. وزاد الأمين أن منع الوصول للأطفال في تلك المناطق بغرض إعطائهم الجرعات التحصينية ضد أمراض الطفولة القاتلة، إنما يهدف إلى تأجيج الصراع وقيادة الحكومة إلى حرب أخرى يمكن أن يكون ضحاياها هؤلاء الأبرياء، ولكنه استحسن مسلك الحكومة في فتح قنوات الوصول لكل سكان المناطق المستهدفة بعمليات التطعيم للمنظمات العاملة في المجالات الصحية الدولية، مؤكداً أن نوايا القطاع واضحة بحسب ما أعلنته هذه المنظمات التي ليست لها أجندات في هذا الأمر، وإنما هدفها هو خدمة المجتمعات الضعيفة، وإظهار العدائيات التي تمارس بحقهم من قبل كل الاتجاهات سواء أكانت حكومية أو مجموعات متمردة. يأتي هذا في وقت اعتبرت فيه الحركة الشعبية قطاع الشمال إعلان الحكومة وقف العدائيات من طرف واحد بالأمر غير المهم بالنسبة لهم، وقالت إنها ترى أن وقف العدائيات من طرف واحد غير كافٍ، واعتبره بعض المتابعين للأوضاع بأنه «عقبة في الطريق» بالرغم من إعلان مفوض مفوضية العون الإنساني د. سليمان عبد الرحمن سليمان في وقت مضى عن توصلهم إلى اتفاق مع أعضاء المبادرة الثلاثية، الاتحاد الإفريقي، الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية على القيام بتنفيذ حملات التطعيم في جنوب كردفان والنيل الأزرق في الخامس من نوفمبر، بما في ذلك مناطق سيطرة الحركة الشعبية، إلا أن الطرفين لم يتفقا أيضاً على طريقة نقل الأمصال إلى مناطق سيطرة الحركة الشعبية، وهي إحدى المعضلات أمام قيام حملات التطعيم.
وتستهدف حملات التطعيم ضد شلل الأطفال ونقص فيتامين (A) حوالى «146» ألف طفل في مناطق سيطرة متمردي الحركة الشعبية بجنوب كردفان والنيل الأزرق، وقد أبدت بعض المنظمات الوطنية قلقها تجاه الأوضاع الإنسانية بجنوب كردفان، وطالبت بالتحقق من معلومات بشأن اختطاف الحركات لألف طفل بالمنطقتين، الأمر الذي دعا وزير العدل محمد بشارة دوسة إلى المسارعة بإصدار قرار بتشكيل لجنة للتحقيق والتقصي في ملابسات اختطاف وتجنيد الأطفال بجنوب كردفان، على خلفية إشارات من المنظمة السويدية إلى قيام المتمردين بجنوب كردفان باختطاف أكثر من ألف طفل وترحيلهم إلى دولة جنوب السودان، توطئة لتجنيدهم في صفوف جيش الحركة الشعبية، وأصبح بذلك متمردو قطاع الشمال يمثلون عقبة أمام توصيل الخدمات الصحية للأطفال بالمناطق المذكورة، وأصبح هذا يهدد بنزوح كثير من المواطنين وتركهم لمناطقهم وقراهم بحثاً عن الأمن، مما يفاقم من مشكلة تلك المناطق التي لم تجد رياح العافية منذ أن بدأت تهددها الجماعات المتمردة من قطاع الشمال والجبهة الثورية. لتؤكد هذه الخطوة خطل السياسات التي تمارسها هذه الجهات في ضغطها لحكومة الخرطوم وإجبارها لقبول إملاءاتها بحسب بعض المتابعين لهذا الملف.
صحيفة الإنتباهة
عبد الله عبد الرحيم
ع.ش
[/JUSTIFY]