تحقيقات وتقارير

حل الحزب الشيوعي.. أين الحقيقة ..؟

[JUSTIFY]لا تزال الذاكرة السياسية تحفظ يوم التاسع من نوفمبر من العام 1965 عندما نظمت جبهة الميثاق «الإخوان المسلمون والجبهة الإسلامية القومية» ندوة في معهد المعلمين العالي بأم درمان حول موضوع «البغاء»، تلك الندوة التي ألقت بظلال سالبة على الحزب الشيوعي وأخرجته من المسرح السياسي وأوصدت في وجهه باب التقدم في المسرح السوداني وكانت كل الأحزاب قد بدت منتشية بعد ثورة أكتوبر 1964 ومنها الشيوعي الذي كان قد خرج بعد الثورة للعمل السياسي العلني للمرة الأولى في تاريخه.. كانت الندوة وبالاً على الشيوعيين عندما خرج طالب وتناول حديث الإفك في عهد النبوة وقد فجر حديثه غضب الحاضرين وسط جمهور الطلاب وأصدرت تنظيمات بيانات تدين الطالب وتطالب بمعاقبته الأمر الذي دفع رابطة الطلاب الشيوعيين إلى إصدار بيان أوضحت من خلاله أن الطالب المذكور ليس عضواً في الحزب الشيوعي، بل يصدر صحيفة حائطية يهاجم فيها الحزب الشيوعي، بل إن سكرتير الحزب الشيوعي عبد الخالق محجوب اضطر لمخاطبة وزير الداخلية آنذاك وجاء في الخطاب أن الطالب الذي تحدى مشاعر المواطنين في تلك الندوة ليس عضواً في الحزب الشيوعي.. ثانياً ما جاء على لسان الطالب يقابل من جانبنا بالاستنكار التام والاشمئزاز..

ثالثاً أن الحزب الشيوعي يحترم عقائد السودانيين ويحترم الإسلام بصفة خاصة، ولا يمكن للحزب أن يسمح بالإساءة إليه، فهو الدين الحنيف الذي يؤمن أغلبية شعبنا به، وهذه الحقيقة ثابتة في دستور الحزب الشيوعي السوداني، ويود الحزب الشيوعي أن يؤكد أن صفوفه تمتليء بالمسلمين وأصحاب الديانات الأخرى .. دفعنا بإرسال هذا الخطاب إليك حرصاً على سيادة النظام والقانون ومصالح البلاد العليا التي يجب أن توضع فوق كل اعتبارات حزبية أو سياسية.
وقد قدم سياسي عن الحزب الوطني الاتحادي بقيادة الزعيم إسماعيل الأزهري تفاصيل عن تلك الحادثة في كتاب موسوم بـ « اليوم البئيس في حياة الشعب السوداني».. يوم أغتيلت الديمقراطية عام 1965 تحت ظل الديمقراطية الليبرالية الثانية اتهم جبهة الميثاق الإسلامي بتحويل المعركة إلى الحزب الشيوعي وأن الطالب عضو فيه، وأشار إلى أنه على إثر ذلك خرجت عدة مظاهرات نظمها الإخوان في أم درمان بعد الصلاة واتجه المتظاهرون إلى منزل رئيس مجلس السيادة إسماعيل الأزهري الذي خطب فيهم أن الحكومة والجمعية التأسيسية سيضعون حداً لهذا الفساد.

وذكر حمور أن الإمام الهادي المهدي دخل أرض المعركة واستدعى مجموعات من الأنصار لتأديب المعارضة، واعتبر حمور أن الأحزاب التقليدية أرادت تصفية حساباتها مع الحزب الشيوعي.

وفي منتصف نوفمبر 1965 اجتمعت الجمعية التأسيسية وبدأت سلسلة من الإجراءات البرلمانية بتعليق اللوائح حيث تقدم رئيس الجمعية محمد أحمد محجوب بمقترح للحكومة أن تكلف بمشروع قانون يحل بموجبه الحزب الشيوعي ويحرم بموجبه قيام أحزاب شيوعية أو أحزاب أو منظمات أخرى تنطوي مبادئها على الإلحاد أو الاستهتار بمعتقدات الناس أو ممارسة الأساليب الديكتاتورية.. وكان من بين المؤيدين للحل د. حسن الترابي العميد السابق لكلية القانون بجامعة الخرطوم، نائب الدائرة «187» عبد الرحمن محمد طاهر، نائب الدائرة «40» محمد محمد الصادق الكاروري، ووزير العدل د. محمد إبراهيم خليل، ووزير المواصلات نصر الدين السيد، بينما عارض الخطوة يعقوب حامد بابكر، أمين التوم والاتحاديان الشاذلي الشيخ الريح وحسن بابكر.

ويورد سعيد حمور في كتابه المذكور رد الراحل محمد إبراهيم نقد على الترابي أثناء مناقشة حل الحزب الشيوعي بالقول: «إن الحديث عن الأخلاق يكثر في هذا المجلس، وذلك كلما واجه المجلس أزمة حقيقية تجاه حل القضايا الكبرى.. وقد يكون الحديث عن الأخلاق ذا قيمة وينبغي المحافظة عليه ولكن التحدث عن الأخلاق عند بروز الأزمات يوضح أين تكمن الأخلاق الجريحة أن تصريحات د. الترابي متضاربة ومن المهم أن يواجه الإنسان خصماً سياسياً له رأي واضح، أما التذبذب والتلون في المباديء والأخلاق فلا أجد نفسي في حاجة للرد عليه، وأكد أن الحزب الشيوعي بريء من تهمة الإلحاد.

ومع ذلك صدر قرار الحل في العام 1965 حيث تم منع أعضاء الحزب من دخول الجمعية التأسيسية وأغلقت الحكومة مقار الحزب وأوقفت جريدة الميدان.. ومع أن الشيوعيين يتهمون الترابي والصادق المهدي وآخرين بالوقوف وراء حل الحزب الذي أثر ذلك القرار على مسيرته السياسية، تبقى الحقيقة ضائعة منذ ذلك التاريخ وحتى الآن.

صحيفة آخر لحظة
[/JUSTIFY]