ديمقراطية الدكتور غازي ورفاقه !
أولها أن ملابسات تقديم المذكرة وتوقيت الدفع بها وانتظار نتائج ايجابية كلها حسابات خاطئة، ومن الصعب القول إن الدكتور غازي لم يكن على علم بخطئها البائن، وإذا لم يكن الرجل على علم بما يتعين عليه كسياسي ومفكر الإلمام به فهذه فى حد ذاتها كارثة ماحقة تسيء بأكثر من غيرها للدكتور غازي.
الأمر الثاني أن الدكتور غازي وصحبه يعتقدون أن المحتويات الواردة فى المذكرة واجبة القبول والنفاذ وإلا…! وهذه للأسف الشديد لا تمت الى الديمقراطية بصلة، فالرأي فى الممارسة الديمقراطية وداخل ساحة التنظيم -أياً كانت التنظيم- له آليات وطريقة عرض وإمضاء وإنفاذ، فلو كان متاحاً (لكل صاحب رأي) أن يكتب مذكرة مطولة ومصحوبة (بضغط) أو تهديد مبطن فإن الأحزاب بلا شك تتحول وفق هذه الرؤية الى أي شيء آخر بخلاف كونها أحزاب.
ولا نجد -للأسف الشديد- هنا عذراً للرجل ورفاقه كونهم فشلوا فى عرض رؤاهم داخل الحزب، فحتى لو كان هذا الزعم صحيحاً فإن هذه منقصة لهم بأكثر مما هي منقصة للحزب، فنحن لسنا بصدد الدفاع عن الحزب بقدر ما أن فشل قيادي سياسي فى عرض راؤه داخل أطر الحزب لا يعطيه الحق -مهما كانت الظروف- للخروج الى الشارع والصدع بما فشل فى طرحه داخلياً.
الأمر الثاني فات أيضاً على الدكتور غازي وصحبه والواقع ما أكثر ما فات عليهم أن الحزب وفي حالة كونه استجاب لمذكرتهم لسبب أو لآخر فهذا يعني بالضرورة ظهور مذكرات أخرى تالية إما مضادة أو أكثر شططاً لأن السوابق فى هذا الصدد تشكل خير معين ودافع للآخرين فى الممارسة السياسية والحزبية.
ولا شك أن الدكتور غازي ومهما كان رأيه فى الوطني -ونحن لا نعتقد أن الوطني حزب كامل- فإنه لن يقبل ولن يرضى أن يعالج الإشكال السياسي فى الحزب بأسلوب المذكرات والضغوط ومراكز القوى!
الأمر الرابع أن الدكتور غازي تجاوز -خطأً- قضية الانضباط الحزبي والتي تقتضي الاستعانة بالإجراءات المرعية داخل الحزب، خاصة وأنه قيادي عريق فيه مطالب بتقديم القدوة الحسنة فكيف إذا إستنَّ الرجل سنة قذف الحزب بالمذكرات من وراء الأسوار؟
وأخيراً فإن المعيب جداً ألا ينصاع كتبة المذكرة للوائح الحزبية ولا يتقيدون بقيوده القانونية، فقد كان من دواعي الممارسة الديمقراطية المحترمة أن يمثل الجميع أمام لجنة المحاسبة وأن يخضعوا لسلطانها ثم يمضوا أكثر باتجاه الطعن فى القرار خلال مدة الطعون المقررة، فهذه أبسط متطلبات الانضباط بصورة عامة، وهي تشبه الخضوع لقوانين الدولة واحترام قضائها والسير عبر القنوات المقررة للوصول الى الحق أو الدفاع عن النفس.
ومما يؤسف له أن قادة المذكرة لم يتقيدوا بالإجراءات المقررة حتى ولو كانت غير منصفة وتعاملوا مع الأمر باستعلاء تنظيمي مقيت؛ الأمر الذى يستشف منه بؤساً مؤسفاً فى الممارسة السياسية يخصم من رصيد الممارسة السياسية ومواعين الديمقراطية فى بلادنا إذ كيف ستنمو الديمقراطية بهذه الممارسة؟
سودان سفاري
[/JUSTIFY] ع.ش