رأي ومقالات

د. عبد الماجد عبد القادر : الدِنْدِر فيها دَنْدارَة ؟!

[JUSTIFY]الدندرة هي ممارسة جمع الصمغ حسب ما هو متعارف عليه في طول حزام الصمغ العربي الممتد من حدود السودان مع إثيوبيا وحتى حدوده مع تشاد وإفريقيا الوسطى.. ولكلمة الدندرة مطابق آخر هو «الجنَّانة» الجناني هو ذلك الشخص الذي يقوم بطق أشجار الصمغ وجمع إنتاجها. والدنداري هو ذلك الشخص الذي يقوم بعملية الدندرة وقد أورد الدكتور جعفر ميرغني معلومات غاية في الأهمية حول نشوء كلمة «الدندرة» نقلاً عن الكتاب الذي ألفه «الشاطر بصيلي عبد الجليل» والذي نشر في عام 5491 في مدينة ود مدني عن تأثير لغة الإغريق في منطقة النيل الأزرق.

وحيث ورد أن منطقة النيل الأزرق كانت قد استقبلت هجرات وافدة كثيرة من اليونان منذ العهد المروي بل أن السودان على العهد المروي وعهد سوبا كان يستخدم اللغة اليونانية في التعليم وفي التأليف وكلمة داندرون DANDERON في اللغة اليونانية معناها شجرة ومن مشتقاتها على هيئة الجمع تعني غابة. ولعله من هنا جاءت تسمية مدينة الدندر ونهر الدندر حيث كانت تلك المنطقة مليئة بالأشجار الغابية الكثيفة خاصة أشجار السنط والطلح والهشاب وحتى في شمال وادي النيل في النوبة السفلى هناك بلدة قديمة قِدم التاريخ واسمها دندرة.. وإذا سمعت اسم شخص يقال له الدندراوي فهو إما منسوب إلى دندرة النوبة أو الدندر العليا في النيل الأزرق.

وعبارة الصمغ العربي نجدها كما ذكر جعفر ميرغني في «صحاح الجوهري» المؤلف قبل أكثر من ألف عام من الآن كما نجدها في كتب اللغة القديمة مثل القاموس المحيط و«المصباح المنير» وهذا يكفي وحده دليلاً على أن عبارة «الصمغ العربي» كانت متداولة على ألسنة متكلمي اللغة العربية داخل البلاد العربية خلافاً لما يتوهمه بعض المعاصرين الذين يظنون أن الصمغ العربي جاءت من أوروبا وأن الأوربيين سموه بذلك لأنه يأتي من الأقطار العربية وإن كانت البلاد العربية لاتنتجه فالموانئ العربية تقوم بتصديره. ولو كان الأمر على ما يتوهمون لكان يجب أن نسمع كلمات مشابهة أخرى مثل الفول العربي والسمسم العربي والتوابل العربية.

والباحثون في المكتبة العربية يقولون إن «الصمغ العربي» اتفق على أنه ناصع البياض شديد اللزوجة ومموج مثل الزجاج وهذا من الوصف ينطبق على الصمغ المستخرج من أشجار الهشاب وعبارة الصمغ العربي قد وجدت عند الكاتب الروماني «بليني» في كتابه التاريخ الطبيعي الصادر في القرن الأول للميلاد وأصل الاسم «العربي» في لغات عرب البحر الأحمر في لغة قبائل البجة التي تحتفظ بمفردات عتيقة كثيرة ومنها مفردة «أربي» ERABY ومعناها أبيض ناصع ممتاز.

وعليه فإن كلمة عربي تعني الصمغ الشفاف الخالي من الشوائب ومن لحاء الشجر ولا تعني العروبة الخاصة بالعرق.

ومن المعروف أن السودان كان خلال العصور الجيولوجية السحيقة موطناً لغابات الصنوبر العظيمة التي كانت تغطي ما يعرف الآن بصحراء النوبة والصحراء الغربية ولا تزال سيقان الأشجار الصنوبرية المتحجرة التي يقدر عمرها بالأربعين مليون عام تتناثر على السهول الرملية شمال أم درمان.

ومن المؤكد أن الحضارات الراقية التي قامت في كرمة والبجراوية والنقعة والمصورات انتعشت في ظروف تسودها الخضرة والخصوبة ووفرة المياه بعكس الظروف الراهنة من الرمال والجفاف وشدة الحرارة، وقد كان الحزام الذي يمتد عبر شمال السودان مليئاً بالغابات الكثيفة والمياه الوفيرة حتى القرن الثالث عشر حيث كانت قوافل الحجيج تعبر هذه الأراضي على الجمال والخيول والحمير متجهة إلى مكة ومن المعلوم أن الخيول والحمير بالذات تحتاج إلى مصدر دائم من العلف والماء.

صحيفة الإنتباهة
ع.ش[/JUSTIFY]