أبيي صراع المخططات الأجنبية قبل الدولتين
يحكي أن جحا أراد أن يبيع منزلاً يمتلكه إلى شخص، فكان لديه شرط واحد وهو أن ثمة مسماراً على أحد جدرانه ليس مضمناً في عملية البيع ويظل في مكانه ملكاً لجحا، فاستصغر الرجل المسمار وقبل بالشرط ودفع له الثمن، فعكف جحا على زيارة المنزل في أوقات مزعجة وبصورة متكررة ليلا ونهاراً، وكانت حجته هي تفقد مسماره، فلما أكثر إزعاجه للشخص وانتهاكه لخصوصيته، غضب الرجل فتنازل لجحا عن المنزل، فأبيي هي المسمار الذي ستبقيه الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل في خاصرة السودانيين حتى لا تستقر العلاقة بينهما إستراتيجياً، فليس من المنطقي أن تفرط بريطانيا التي بذرت أسباب مشكلة الجنوب ونمت بعد سبعين سنة من قانون المناطق المغلقة في حصاد ثمارها وتترك للشعبين أن يلتقيا، فلو حدث التعايش بينهما فلا معني للانفصال الناتج عن الاستفتاء لأن الإرادة الشعبية قد تتغلب في أي حين وتتمظهر في وحدة جديدة أو كونفدرالية، فالفرنسيون لهم مقولة عن سياسة جارتهم بريطانيا تقول (عندما يطعمك الإنجليز ثمرة زيتون في فمك، فتأكد أنهم سيحلبون على الأقل رطلاً من زيت الزيتون من جسمك)، ولن تتحقق المخططات الأجنبية بمجرد المحركات والمحرضات السياسية، فلابد من تأجيجها بقوة دافعة أكبر هي عصبية القبيلة، بدلاً من أن تكون القبيلتان الأكثر تداخلاً في مشاركة المراعي وتبادل السلع والمنافع المدخل للعلاقة الطيبة بين الشعبين وبالتالي الدولتين.
حاشية: أرادت المخططات الأجنبية اتخاذهما فتيلاً لتفجير الوضع بين الدولتين للأبد، عندما تراق الدماء بين الدينكا نقوك والمسيرية، وتغلي في العروق وتتغذي التعبئة السياسية على الإحن والتعصب القبلي المنتن، وبدلاً من أن يتوارث أفراد القبيلتين تاريخ السلطان دينق مجول والناظر بابو نمر في الحكمة والتعايش والتصاهر، يراد لهم أن يتوارثوا الثأرات والأحقاد ليتجدد الأحقاد ليتجدد الاقتتال جيلاً بعد جيل، هذا هو هدف الجهات التي تقف خلف اغتيال السلطان كوال، وعندما لم تحقق الغرض في الحرب، لجأت إلى الزج بالدينكا نقوك في مأزق الاستفتاء الذاتي الأحادي لتشعل نار الفتنة، فالعقلاء من الطرفين مطالبون بالوعي بالمخطط لإفساده والتحلي بالنفس الطويل لأن الآخر لا يريد علاجاً لهذه الأزمة، وسيظل المبعوثون يهبطون لتفقد مسمار جحا حتى نتركه أو يتركوه.صحيفة الرأي العام
مرتضي شطه