حوارات ولقاءات

حسن مكي : البشير يملك المشروعيّة وكل مفاتيح الإصلاح بيده

[JUSTIFY]يعتبر الدكتور حسن مكي شيخ المتمردين والإصلاحيين في الحركة الإسلامية.. ظل يجاهر بآرائه الناقدة منذ وقت طويل سبق فيه صفوفا من القواعد والقيادات، بل إنه واحد من قيادات قليلة رفعت صوتها برفض بعض سياسات وقرارات وطريقة إدارة الدكتور الترابي لأمور الحركة والدولة أيام سطوته وعزّ صولجانه حين ممسكاً بمقاليد الأمور.

مكي ظل يمارس دوره في النقد والدعوة إلى الإصلاح من خلال وسائل يجيدها عبر التحليل للظواهر السياسية والأحداث من خلال وسائل الإعلام والندوات العامة التي تراجع ظهوره فيها لأسباب تتصل بقلة منابرها في الفترات الأخيرة، وظل على الدوام يصف نفسه بالمراقب الذي يعيش في حالة من السيولة التي تجعله ينتقد هذا الفعل ويشيد بذلك من أيّ جهة جاء، بكل حرية كما يقول.
* للإصلاح وجوه وزوايا ومفاهيم متعددة.. ما هو التوصيف لمعنى الإصلاح الذي راج في الفترة الأخيرة؟

– هو تعبير.. برز مصطلح الإصلاح من وجود حزب سياسي مهيمن وهناك تكلس في إدارته السياسية مع غياب الرؤى المستقبليّة وانسداد في الأفق السياسي وهناك تناقص في جغرافيا البلاد سواء عبر انفصال الجنوب أو ذهاب حلايب، كما يبدو هذا التعبير في تناقص جماهيرية المؤتمر الوطني أو تناقص شعبية النظام، كما نلاحظ أيضا ذلك الغلاء، وفي تراجع موقع البلاد في الخريطة الدولية بل التراجع ملحوظ حتى في كرة القدم، فليست هناك أي أخبار طيبة عن السودان.

* إذن ما هو نوع الإصلاح المناسب لهذا الحال؟

– النظام الآن في حيرة ويخشى أن يسقط كالفاكهة المهترئة وتتلوث البيئة ويداس بالأقدام.. حتى لا يحدث ذلك أرى أن كل مفاتيح الإصلاح هي مع الرئيس باعتبار أنّه على الأقل من يملك المشروعيّة، ولأنّ مؤسساته كالعجينة بإمكانه عجنها وخبزها على أي شكل، وفي أيّ اتجاه، ذلك لأنّها ليست مؤسسات حقيقيّة تتمتّع بالمشروعيّة والقوة، فقيادة المؤتمر الوطني عبارة عن موظّفين كبار وعبارة عن عجين أو طحين في يد الرئيس.

* لكن تشكيل الطحين وخبز العجين يعتمد على رؤية تحقق المنتظر من الإصلاح؟

– أول وأهم شيء أن يعلن السيد الرئيس بشكل قاطع أنه لن يترشح لولاية جديدة حتى لا يكون واضعا نفسه ما بين خيارات أو اختبارات أو ضغوط للكسب السياسي أو الابتزاز أو غيره، والشيء الثاني أن يفوض صلاحياته لرئيس وزراء لمرحلة انتقالية يتفق على مدتها بين القوى السياسية تجرى بعدها انتخابات نزيهة وفق المعايير المعروفة، وإنفاذ المصالحة الوطنية، وإيقاف حروب السودان، وإقرار الدستور، وإنهاء العزلة الدولية.. ولابد من الإشارة إلى أن كل واحدة من هذه تحقق عائدا اقتصاديا يحسن من الأوضاع.
* طيب إذا سئلت عن العقبات التي تقف عائقا أمام حركة الإصلاح؟

– أولى العقبات هو العجين. العجين.. وهو دائما يريد أن يتشكل ويتسلق كالنبات العشوائي المتسلق اللاصق بالرئيس لأنه لا بقاء ولا حياة لهم إلا بأوكسجين الدولة.. السياسيّون الطفيليون الذين يتغذون على أوكسجين الدولة وأموالها ووظائفها كما يتغذى طفيل البلهارسيا على دم المصاب هؤلاء لا يريدون أن يقول الرئيس الحمد لله الذي أذهب عنّا الأذى وعافانا.
* لماذا يخشى هذا النبات العشوائي الذي ذكرت مسيرة الإصلاح؟

– لأنهم لم يأتوا نتيجة لانتخابات ولجهاد ولا كسب ذاتي إنما جاءت بهم الظروف والتحولات السياسية كإبعاد الترابي وتكلس الحياة الحزبية والسياسية والفراغ الذي ملأوه ليستفيدوا من مرحلة تدفقات بترول الجنوب.

* نتحول إلى الجدل الذي أثارته مذكرة الـ(31) الأخيرة؟

– (مقاطعاً).. هذا بالنسبة للحزب لكن أعتقد أن مأزوميّة البلد قبل الحزب.. تلك المأزوميّة التي بدأت بسقوط هجليج ما بعدها وضياع أرواح عديدة في الصراعات والحروب الأخيرة.
* وجدت هذه المذكرة الأخيرة زخما فاق ما قبلها من مذكرات بدءاً من ردة الفعل وقرارات الفصل والتجميد التي أعلنت بحق أصحابها؟

أعتقد أن هذه المذكرة تحتوي على أجندة سياسيّة عميقة لأنّ هناك كثيرا من الناس يشعرون بأن تنفيذ مطلوباتها ممكن، وأن السيد الرئيس يمكن أن يعلن عدم رغبته في الترشح، لذلك إذا حدث ذلك فنجد أن هناك من يرغب في تشكيل العجينة بالطريقة على حسب رؤيتهم ومزاجهم ومصالحهم وأنت تعلم أن السلطة تقطع فيها رؤوس وليس الفصل من الحزب، وهذا مقدمة على تنميط المؤتمر الوطني على مقاسات الأحذية الجديدة.

* بمنظار المراقب وعلاقتك الاجتماعية به.. كيف تصف الدكتور غازي صلاح الدين وأي نوع من القيادات هو؟

– أنا لا أتحدث عن العلاقات الأسرية ولا أتناول الأفراد.. أنا أتحدث في السياسات فقط.

* حسنا، نسألك عن مسار الإصلاحيين بقيادة د. غازي صلاح الدين وإعلان حزبهم الجديد؟

– ليس من السهل أن تؤسس حزبا فهذا كالنحت على الصخر وفي التجربة السودانية التقليدية لا بد لمن أراد أن يؤسس حزبا من قيادة ملهمة جذّابة المَهابة.. الأمر الثاني هو ضرورة وجود مظلة واسعة مثلما تأتّى ذلك لحزب الامة من كيان الانصار ولحزب الشعب ومن بعده الاتحادي من الطائفة الختمية أو يكون لها تجذر تاريخي وحركي مثلما ينطبق على الترابي والشرط الثالث المال وهذا إما أن ياتي من قوى خارجية مثلما تدفق المال الليبي على بعض الأحزاب في فترة الديموقراطية الثالثة أو المال المصري في انتخابات 1954م أو غيرها من الكيانات والدول والمسألة الرابعة أن تكون موصولا بالدولة أو حزبها وكما قال رئيس دولة “داهومي”: (في أفريقيا لا يخسر حزب الحكومة انتخابات إلا إذا كان رئيسه مجنونا).. هذه معايير تأسيس الحزب لكن جماعة ضغط ممكن.

* الأنسب بالنسبة لإصلاحيي الإسلاميين تأسيس أحزاب أم تشكيل جماعة ضغط؟

– واحدة من الوسائل عدم اليأس مثل ما كان حال سيدنا يوسف، فلابد من محاولة التواصل مع الرئيس البشير ومع من حوله.. هذا طريق، وأيضا التواصل مع النخبة السياسية حتى ولو كانت هنالك ضغوط وكبت، ففي الوسائل الحديثة من مواقع التواصل الاجتماعي والفيسبوك مندوحة على الوسائل الأخرى وبديل لرفع الوعي السياسي والمسألة الثالثة لابد من الاعتراف بأجهزة الدولة العسكرية والأمنية.. ونحن رأينا الخسائر الكبيرة التي صاحبت أحداث ما بعد قرار رفع الدعم، فهذا كان يمكن أن يؤدي إلى حريق كل الخرطوم، ولذلك أن الحركة أجهضت من اول يوم بالمتوترين وبمن كانوا يفكرون في الحريق والدمار، وأيضا يجب ألا نيأس من الحزب الحاكم نفسه، هناك مجموعات داخل الحزب الحاكم ممتازة ولديها رؤى وتفكير وأعتقد أنها قادرة على توصيل رسالة.
* لكن عليها أن تتخذ قرارات؟

– أنا قلت توصيل رسالة. القرارات مكانها فوق.. عند من يمتلك ذاك العجين وله حق التصرف فيه فهناك عجين سهل الهضم وآخر عسير الهضم.

* هل من سبيل للمقارنة بين ما حدث للترابي في 1999م وما يحدث لمجموعة مذكرة الـ 31؟

– حكاية الفصل التي تعرض لها غازي مسألة صبيانية.. التعسف في إطلاق الأحكام كأنهم ملائكة والآخرون شياطين.. هذا جنون، فجميعهم موظفون لدى البشير، والحركة الإسلامية طوال تاريخها لم تعرف قرارات الفصل، فعندما كان الرشيد الطاهر بكر المراقب العام للإخوان المسلمين دبر مع آخرين انقلاب 1959 بقيادة علي حامد وغيره.. هذا الانقلاب فشل والجماعة قالت إنه تصرف فردي لكنها لم تفصله حتى نصب الترابي بديلا له بعد 1964م. وجرت مجادلات طويلة داخل الحركة الإسلامية بين مؤسستها والتيار التربوي الذي قاده محمد صالح عمر وجعفر شيخ إدريس وذهابهم بعد ذلك للقتال في فلسطين وعودتهم ومشاركتهم في أحداث الجزيرة أبا لم يفصلهم أحد، وذات الأمر حدث للشيخ صادق عبد الله عبد الماجد عندما خالف قرار المصالحة الوطنية لم يفصل، وحتى العشرة الذين صاغوا المذكرة لم يكونوا مؤسسين وإنما دبرت بليل وفرضها الرئيس عندما جاء لابسا الزي العسكري، لكن الترابي لم يفصلهم، لذلك أنا أصف ذلك بالعبث وأرى أن كسب غازي وحسن رزق ومن معهم أقل من الذين فصلوهم.. هؤلاء أصحاب مجاهدات منذ كانوا طلاباً.
* والترابي؟

– هو صاحب مشروعية تاريخية ورفض أن يلجأ إلى أساليب العنف القائمة على الجيش لأنه عرف في الانقلاب العسكري أن الضابط الذي يمد رأسه ليطيح الحكومة لن يسلمها له وقال الجن البتعرفو ولا الجن الما بتعرفو، لذلك أصبح أسيرا لما يسميه الثورة الشعبية .

صحيفة اليوم التالي
احمد عمر خوجلي[/JUSTIFY]

‫5 تعليقات

  1. التحية للأستاذ حسن مكي … فهو من القيادات الإسلامية السودانية القليلة النزيهة ومفكر بارع يعتد برأيه … لكن يعاب عليه أنه انكفأ مؤخرا على الجانب الأكاديمي واكتفى بدور المراقب والمحلل للوضع السياسي في السودان بدلا من أن يكون محركا لكل ساكن في السياسة السودانية . التحية لك استاذي حسن مكي

  2. تحليل عميق ولكن هل من عاقل يسمع ويعقل قبل فوات الاوان وضياع كيان البلد كلها.

  3. حسن مكي هو محلل بارع في السياسه السودانيه وياليت يكون من الحركين الذين

    تهم مصلحة البلاد ويجب ان يتحرك لأنقاذ البلاد من الانهيارررررررر

  4. البروفيسور حسن مكي رجل عقلاني وموضوعي وقامة من أفذاذ هذه البلاد يعتز بها كل سوداني ويجب أن يجد رأيه حقه من النقد والتمحيص في أوساط المخلصين الوطنيين؛ نضيف إلى ما ذهب إليه، ولكي يصبح الإصلاح مؤسساً وموضوعياً أن من الضروري والحتمي أن تضمّن في الدستور اقادم وقبل الانتخابات مادة بشأن حقوق الرئيس السابق؛ فالمعروف أن هذا الأمر غير موجود وغير واضح؛ افالرئيس لا يمكنه فقط إعلان عدم ترشحه ويذهب إلى أهله دون معاش ولا وضع معيّن ولا حصانة من الدسائس والكيد ليأتي غداً بعض الحاقدين من الأحزاب وغيرهم فيتواطؤا على الدس والكيد له وتقديمه للمحكمة الجنائية إرضاءاً لسادتهم الغربيين وأوليائهم الخارجيين، أو شفاءاً لما في صدورهم من حقد وغل على الرجل؛ فلكي يكون الانتقال الديمقراطي سلساً ومؤسسياً ولكي يحصل السودان على فرصة انتخاب رئيس ثاني ديمقرطياً بدون انقلاب عسكري يجب أن ينص الدستور بوضوح على أن الرئيس السابق له تعويض ومعاش محدد وأن أي سوداني لا يجوز تسليمه لأية محكمة خارجية دولية أو غيرها لمحاكمته مثلما تفعل الولايات المتحدة وكل الدول الأوربية الديمقراطية فنحن لسنا أقل منهم سيادة ولا كرامة ولا احتراما وعزة إن لم نكن أعلى من ذلك كله؛ ونرجو أن يتقدم المجلس الوطني بمشروع قرار في هذا الأمر لكي يحظى بالمصادقة عليه من قبل المجلس كبادرة لذلك.

  5. مصيبة السودان الذي استلمه الاسلاميون بانقلاب علماني مخاصم لكل قيم الدين، قد فرقتهم السلطة والجاه الى ألف فرقة وفرقة. فالشعبي والوطني ومنبر الخراب العنصري وحزب بناني وحزب الحبر نورالدايم وجاويش والسلفيون والتكفيريون والصوفيون والتحريريون والشيعيون والابوقرونيون والغازيون اخيرا، لم تعصمهم مرجعيتهم الاسلامية الواحدة من التناحر والتشاكس والصراع على السلطة والجاه، متناسين انهم مجرد فصيل واحد في مجتمع اسلامي اسمه السودان بأنصاره وختميته وعلمانييه وشيوعييه وغيرهم. فهم لا يرون هذا البلد الا من خلال منظورهم الضيق، منتشين بسلطة مغتصبة حتى وصل الامر بعالم في قامة بروفيسور حسن مكي يرى ان كل الامر في يد الرئيس البشير، وكأن الامر يخص الحركة الاسلامية بتلاوينها المتنافرة ولا يخص السودان بأطيافه المتنوعة خارج صندوق الاسلاميين. فالبشير لا يملك غير سلطة مغتصبة بسفك الدماء وقطع الارزاق والتستر على الفساد وتزوير الانتخابات، بل والظلم الذي اعترف به على رؤوس الاشهاد بالسفارة السودانية بالرياض ايام مرضه. لذلك فالمطلوب من الاسلاميين الذين يدعون امتلاك الرؤية ان يعلموا بان هذا السودان ملك لجميع ابناءه. وان أية دعوة اصلاحية لا تشترط بسط الحريات والعدالة، كاشتراط سابق للإصلاح انما هي تكريس للسلطة القائمة. فالحرية والعدالة هما الركيزتان الاساسيتان لأى حكم رشيد، اسلامي كان او غير ذلك. ولنكتفي بالحريات دون العدالة، لان اتاحة الحريات كفيل بتحقيق العدالة. غياب الحريات وانسداد قنوات التعبير ومؤسساته المعلنة هي التي قادت للتمرد والترسيخ للتمكين والفساد والتشرذم القبلي والعنصري والطائفي كمؤسسات بديلة للتعبير وتحقيق المآرب بأساليب ملتوية، والا لما جاء السفاح موسى هلال الى الخرطوم ولا تزينت الانقاذ بالمخرجات التناسلية للطائفية البغيضة بود المهدى على يمين البشير وود المرغني الي يساره. فالنذر اليسير من الحرية الصحفية الذي تسرب من اصابع الانقاذ ابرز لنا الادلة الدامغة على ما يدور من فساد في مؤسسة الاقطان، بما لم يترك مجالا للحكومة سوى تقديم الجناة للعدالة حتى ولو كانوا من ممولي المؤتمر الوطني بما يسرقونه من مال الشعب على نحو ما اعترف به المتهم الثاني اللص محي الدين عثمان. سعادة البروف .. لا نريد اصلاحا غير بسط الحريات والشعب كفيل بإصلاح امره تحت الاضواء الكاشفة وليس داخل الاقبية المعتمة.