هنادي محمد عبد المجيد
ماهي الجماعات الوظيفية ؟
وهو يصف الحالة السياسية الراهنة في هجليج أو جنوب السودان عامة ، فلم أجد أفضل من المفكر والكاتب المتخصص الدكتور عبد الوهاب المسيري
ليفسر لي بدقة محتوى هذا المصطلح ومراميه التفصيلية قائلا ً: ” هي مجموعات بشرية صغيرة يوكِل إليها المجتمع وظائف شتى يرى أن أعضاءه لا يمكنهم
الإضطلاع بها لأسباب مختلفة ، فهذه الوظائف قد تكون مشينة أو متميزة من وجهة نظر المجتمع ( البغاء – الربا – القتال ) ، وقد يتطلب الإضطلاع بها قدراً عالياً من الحياد والتعاقدية ( التجارة والربا ) لأن المجتمع يريد الحفاظ على قداسته وتراحمه ومثالياته .
وقد يلجأ المجتمع لإستخدام العنصر البشري الوظيفي لملئ فجوة أو ثغرة تنشأ بين رغبات المجتمع وحاجاته من ناحية ومقدرته على اشباع هذه الرغبات والوفاء بها من ناحية أخرى ( الحاجة لمستوطنين جدد لتوظيفهم في المناطق النائية – خبرات غير متوفرة – الحاجة إلى رأس مال ) ، كما أنه يوكَل إليهم بالوظائف ذات الحساسية الخاصة وذات الطابع الأمني ( حرس الملك – طبيبه – السفراء والجواسيس ) ، ويمكن أن تكون الوظيفة مُشينة ومتميزة وحساسة في ذات الوقت مثل ( الخصيان والوظائف الأمنية على وجه العموم ) ،كما أن المهاجرين عادة ما يتحولون إلى جماعات وظيفية ( في المراحل الأولى من استقرارهم في وطنهم الجديد ) لأن الوظائف الأساسية عادة ما يكون قد تم شغلها من قبل أعضاء المجتمع المضيف .
ويتوارث أعضاء الجماعات الوظيفية الخبرات في مجال تخصصهم الوظيفي عبر الأجيال ويحتكرونها ويتوحدون بها ويكتسبون هويتهم منها بحيث يتم تعريف الإنسان من خلال الوظيفة وحسب ، لا من خلال إنسانيته الكاملة المتكاملة ، ولذا يُصبح عضو الجماعة الوظيفية إنساناً ذا بُعد واحد ، يمكن اختزال انسانيته إلى هذا البعد أو المبدأ الواحد وهو وظيفته ، وبعد أن يتم استيراد أو تجنيد العنصر الوظيفي يحدث ما يلي : أ/ يدخل المجتمع المضيف في علاقة نفعية حيادية رشيدة يُحوسل فيها كل طرف الطرف الآخر ، أي يحوله إلى وسيلة ، وينظر إليه بإعتباره وسيلة لا غاية ، مادة نافعة يتم التعامل معها بمقدار نفعها – وهذه تسمى ( التعاقدية ) – .
ب/ يتم عزل أعضاء الجماعة الوظيفية ( عن طريق الزي أو المسكن أو اللغة أو العقيدة أو الإنتماء الإثني ) حتى يصبح العنصر الوظيفي غريباً مميزاً ويظل بلا قاعدة جماهيرية أو أساس للقوة ، وفي حالة خوف دائم من الجماهير ، لا يطمح في المشاركة في السُّلطة ( وهذه ميزة كبيرة من منظور النخبة الحاكمة ) ، ولذا يتعمق ولاء أعضاء الجماعة الوظيفية للنخبة الحاكمة التي استوردته والتي تستخدمه كأداة وتضمن بقاءه واستمراره ، وغالبا ما يرتبط العنصر الغريب عاطفياً بوطن أصلي ( صهيون – القبيلة -العائلة ) يصبح موضع ولائه وحبه وعاطفته المشبوبة .. ولكن الجماعة الوظيفية ( والوظيفة ذاتها) هي موضع الولاء الفعلي والمباشر لعضو الجماعة الوظيفية ، وينتج عن هذا أنه يشعر بالغربة نحو المجتمع المضيف ، يعيش فيه دون أن يكون منه – بمعنى العزلة والغربة والعجز – .
ج/ ينفصل أعضاء الجماعات الوظيفية عن الزمان والمكان اللذين يعيشون فيهما ويتطور لديهم إحساس عميق بهويتهم المستقلة – مركب الشعب المختار المنفي المنبوذ-
وهي هوية في معظم الأحيان وهمية ،فهم لا يعرفون معجماً حضارياً سوى معجم المجتمع المضيف ( الإنفصال عن الزمان والمكان والإحساس بالهوية الوهمية ) .
د/ يطوِّر طرف العلاقة ( أعضاء الجماعة الوظيفية والمجتمع المضيف ) رؤية أخلاقية ثنائية ،فما يسري على الواحد من قيم أخلاقية مطلقة لا يسري على الآخر ،بإعتبار أن الآخر في هذه العلاقة يقع خارج نطاق الحرمات والمطلقات الأخلاقية ، ويحاول كل طرف أن يحقق منفعته ولذته مستخدماً الآخر ( ازدواجية المعايير والنسبية الأخلاقية ) .
ه/ لكل هذا ، يتسم أعضاء الجماعة الوظيفية بالحركية البالغة ، فهم آلة لا وطن لها ولا انتماء إلا الوظيفة الحركية .
و/ ينجم عن هذا الوضع تأرجح شديد بين تمركز حول الذات ( الوظيفة ) وتمركز حول الموضوع ، إذ أن عضو الجماعة الوظيفية أداة في يد المجتمع – التمركز حول الذات والتمركز حول الموضوع – وتظهر عقدة الإختيار .
ويلاحظ أن أعضاء الجماعات الوظيفية شخصيات متحوسلة منعزلة مغتربة لا جذور لها توظَّف ، وهم يدخلون في علاقات تعاقدية مادية مع المجتمع لا تراحم فيها .
ورؤية أعضاء الجماعات الوظيفية تكون في الغالب رؤية حلولية كُمُونية واحدية ، فالحلولية تجعل من أعضاء الجماعات الوظيفية عضوا في شعب مختار – وهو ما يجعل من السهل عليه تحمل وضعه المؤلم – وعلى الرغم من هذا أو ربما بسببه ينظر أعضاء الجماعة الوظيفية للعالم ولأعضاء مجتمع الأغلبية بإعتبارهم مادة نافعة يمكن استغلالها والإستفادة منها ، وعضو الجماعة الوظيفية هو انسان اقتصادي محض له بُعد واحد – وظيفة محددة – متحرر من القيم الأخلاقية ، يكرس ذاته لمنفعته ولذته ويؤمن بالنسبية الأخلاقية وبإزدواجية المعايير ، ومرجعيته النهائية في علاقته بالمجتمع المضيف مرجعية مادية .
من كل ما سبق نجد أن أعضاء الجماعة الوظيفية عادة من حملة الفكر العَلماني الشامل ، ونحن نذهب إلى أن الدولة الصهيونية هي إعادة إنتاج لظاهرة الجماعة الوظيفية في العصر الحديث على مستوى الدولة ، لذا فنحن نسمي اسرائيل ” الدولة الوظيفية ” وهي دولة تتسم بكل سمات الجماعة الوظيفية وعلاقتها بالمجتمع الغربي لا تختلف كثيرا عن علاقة الجماعة اليهودية الوظيفية به ” انتهى حديث الدكتور عبد الوهاب المسيري عن ماهية الجماعات الوظيفية ، وقد قاس الدكتور عبد اللطيف البوني على ذلك المعنى والوصف دولة جنوب السودان الوليدة ، وقال أنها تحمل كل صفات الدولة الوظيفية بكل معانيها بل وأنها صنيعة دولة وظيفية أخرى ونموذج طبق الأصل من الدولة الوظيفية الصهيونية إسرائيل . هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]