دبلوماسية التخدير…!!
سجال آخر حول زيارة الرئيس لعاصمة دولة جنوب السودان.. (يسافر، لا ما يسافر)، أو هكذا السجال، أو فلنقل: هكذا الجدل البيزنطي.. هذا السفر – تم أم لم يتم – ليس بغاية في حد ذاته بحيث يُهدر أقلام الناس ويُرهق ألسنتهم ويشل تفكيرهم.. فالغاية من لقاء الرئيسين – بالخرطوم أو بجوبا – يجب أن تكون هي التوقيع على حزمة حلول لكل القضايا العالقة.. وما لم تصل وفود التفاوض واللجان الى حلول جذرية في ملفات الحدود والبترول والأمن، فسيان – في حياة الناس والبلد – سفر الرئيس أو عدم سفره، هذا ما لم تكن الغاية من السفر هي تبادل التحايا فقط لا غير.. وهكذا فعل رئيس حكومة الجنوب بالخرطوم قبل أشهر تقريباً، إذ جاء والتقى بالرئيس البشير وتبادلا التحايا، ثم رجع كما جاء، ولم تحدث زيارته أي اختراق في أية قضية عالقة تهم البلدين وشعبهما..!!
** والبعض يرى أن زيارة الرئيس لجوبا قد تطلف المناخ السياسي وتهيئ مناًخاً للتفاوض الإيجابي.. حسناً، ولكن زيارة رئيس جنوب السودان للخرطوم لم تلطف المناخ السياسي ولم تخلق مناخ التفاوض الإيجابي.. فلندع زيارة رئيس جنوب السودان، تلك كانت قبل أشهر، ولكن ماذا حققت زيارة مندوبه باقان الأخيرة؟.. جاء وتبادل التحايا مع الرئيس وسادة الحكومة، ثم تناول العشاء بمنزل رئيس نادي المريخ وتغزل كثيرا في علاقة الشعبين، ثم رجع.. ومع ذلك، لم تلطف زيارته وغزله المناخ السياسي، ولم تهيئ – لمن كانوا بأديس يومئذ – مناخ التفاوض الإيجابي.. بل الأدهى والأمر، قبل أن تطأ أقدام باقان أرض مطار جوبا، وطئت أقدام قوات حكومة الجنوب أرض هجليج، وكأن الهدف من زيارة باقان كان إنذار الخرطوم باحتلال هجليج..!!
** سادتي، دعوا اللعب بمشاعر الناس والبلد، وسارعوا – بجدية ومسؤولية – نحو الحلول التي تجنب البلدين ويلات حرب أخرى إن اشتعلت لا قدر الله – لن تقف عند حدود الدولتين فقط.. نعم، فالمخاطرة ليست بعيدة إلا لقصار النظر، وهذه ليست مرحلة دبلوماسية كذوبة، بحيث يتبادل فيها زوار الحكومتين التحايا والابتسامات أمام وسائل الإعلام، بيد أن الضحايا هناك على حدود البلدين يستجيرون من الموت إما بالنزوح أو بالتوجس.. ما يحدث حالياً على المستوى الحكومي بين البلدين، وما فيه من زيارة ثم الطلب برد الزيارة، هو عبارة عن “دبلوماسية التخدير” لا تثمر ما ينفع الناس..!!
** ما حدث بهجليج قد يحدث في هجليج ذاتها أو في أي مكان آخر بذات الحدود، ما لم تنشط اللجان والوفود والمجتمع الدولي في تقديم مقترح الحلول لقضايا المناطق الحدودية والبترول والملف الأمني.. فبدلاً عن إهدار الزمن في الجدل البيزنطي، يجب تقريب أزمنة تفاوض لجان ووفود البلدين في تلك القضايا.. نعم هي قضايا شائكة جدا و(حساسة جداً)، ولكن يجب تذكير سادة الحكومتين بويلات الحرب وما أزهقتها من أرواح وأهدرتها من موارد.. نعم يجب تذكيرهم بمآسي أطول حروب القارة، عسى ولعل فيهم رشيد يتجاوز الرهان على الزمن والدبلوماسية الزائفة، ويقدم الحلول الجذرية على التخدير المؤقت في قائمة الأولويات.. بعد إيجاد حلول لقضايا الحدود والبترول والأمن بواسطة اللجان والوفود، فليسافر الرئيس البشير الى جوبا وكذلك مرحبا بالرئيس سلفا في الخرطوم.. بعد إيجاد الحلول لتلك القضايا، وليس قبلها.. فالشعب – هنا وهناك – يريد حلولاً لتلك القضايا، وليس أسفاراً..!!
إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]