وكمان يبكي ..!!
فريق يرفضها بتطرف غريب، وآخر يحتفي بها بتطرف أغرب..أوهذا ما آل عليه حال اتفاقية الحريات الأربع .. حال لم يعد يسر المواطن المغلوب على أمره والمستهدف بتلك الحريات..وليس في الأمر عجب، إذ هكذا دائما أصحاب الرأي في بلادنا، بحيث الأشياء عندهم لاتحتمل الضد وكذلك غير قابلة للتحديق المتزن والتناول المعتدل.. وكماترون منذ الخميس الفائت، البعض أعلنها حرباً على الوفد الحكومي المفاوض، وقيل أن عضو الوفد إدريس محمد عبد القادر بكى من وطأة هجوم خطيب مسجد الفتح عليه، و برر للخطيب والمصلين دواعي هذا الإتفاق وشرح محتواه، ثم نفى عن نفسه ورفاقه تهمة العمالة والخيانة وغيرها من التهم التي انهمرت عليه من خطبة الشيخ طنون..ولايزال إدريس يشرح ويبرر للمنابر وينفي للرافضين بتطرف، ولا أدري إن كان لايزال يبكي أم أن بكاء تلك الجمعة يكفي،علما بأن بكاء هذا العضو – بل كل الوفد – ليس حلاً ولا صادقاً.. بل سوء نهجهم هو الذي لايزال يُمزق وطناً و يُدمع مقل شعبه آناء الليل وأطراف النهار..المهم، هناك أيضاً يحتفي البعض الأخر بالحريات الأربع بذات التطرف، ويرى فيها الحل الناجع لكل أزمات البلدين، ويهاجم الرافضين ويصفهم بدعاة الفتنة والعنصرية وغيرها..هكذا يغيب التناول الموضوعي لما عاد بها الوفد الحكومي، لقد طغى على سطح الإعلام جدال إحدى مساطب دار الرياضة حين تكون مبارة القمة ملتهبة، ولله في تناولنا لقضايا الناس والبلد شؤون ..!!
** على كل حال، فلندع هؤلاء وأولئك يتطاحنوا فيما بينهم بالشتم والسب واللعن حتى يعلموا أيهما تلد الأخرى، (البيضة أم الدجاجة ؟).. ونمشي لي قدام، أي وصلا لما سبق أرى بأن هذه الحريات ليست بفاجعة إذا توفرت، أو كما يظن الفريق الرافض، ولن تتوفر..وكذلك هي ليست بعصا موسى بحيث تحل كل أزمات البلدين، أو كما يظن الفريق المحتفي بها..لا ياسادة ياكرام، إذ هذا الاتفاق الإطاري كان ولايزال محض تخدير للأزمات الأساسية، وكذلك مراد به حفظ ماء وجه الوفدين والوسطاء، بحيث لايقول العالم (لقد فشلوا جميعاً)..أي كل حرية من تلك الحريات بمثابة غطاء يُدثر عجز طرفي الصراع – وكذلك عجز حكماء إفريقيا – عن إحداث إحتراق في (الملفات الشائكة).. اقامة الأجنبي – سودانياً بالجنوب كان أو جنوبياً بالسودان- ليست بملف شائك بحيث يستدعي حله تدخل الأجاويد، وكذلك العمل والحركة والتملك، كل هذا مقدور عليه في حال تجاوز أم الأزمات المسماة بقضية الحدود ثم الأخرى المسماة بقضية البترول..!!
** هل أبيي سودانية بحيث يقيم ويتحرك ويعمل ويمتلك فيها السوداني بدون اتفاقيات و(قومة نفس)، أم هي جنوبية بحيث يقيم ويتحرك ويعمل ويمتلك فيها الجنوبي بدون بروتوكلات و( أجاويد) ؟.. تلك – على سبيل المثال – هي الأزمة الجوهرية، وأي اتفاق حولها يستحق الجدل (رفضأً أو قبولاً )..وتجاوزها بالحل المتفق عليه هو المفتاح لحل بقية الصغائر، حرية إقامة كانت أو حرية العمل..نعم، أبيي وبقية المناطق الحدودية التي ذكرها الفريق سلفاكير في خطابه الأخير مصحوباً بعبارة (لن نفرط فيها)، هي الملف الشائك..ولكن الوفد العبقري الذي ذهب لحل ذاك الملف – وكذلك ملف البترول – عاد بخفي حنين، متأبطاً ما أسماها بالحريات الأربع، ليشغل بها البعض وليخدر بها البعض الآخر..ومع ذلك – أي رغم أن الوفد المفاوض لم يعد بما كان ينتظره الشارع، بل عاد بالسراب المسمى بالحريات الأربع – فلنقرأ تصريح نائب رئيس الجمهورية، حيث قال بالنص قبل أن يجف مداد الاتفاق ودموع عضو الوفد : ( السودان وجنوب السودان لم يتفقا بعد على ملف الحريات الأربع، ولم يتم تناول الموضوع بالنقاش المستفيض، والتاسع من ابريل ليس يوماً لطرد الجنوبيين، وإنما هو تاريخ خاص بتوفيق أوضاعهم، وسيتم التعامل مع الجنوبي بعد هذا التاريخ باعتباره أجنبي)، هكذا حديث نائب الرئيس..!!
** أها، حتى الحريات الأربع – التي في قبولها ورفضها تتطاحن الأقلام – تحولت بين ليلة وضحاها الي قضية ( بحاجة الى نقاش مستفيض).. والنقاش المستفيض هو اسم الدلع الحكومي (للولوة واللكلكة)، ثم التنصل ( زي الما حصل شئ)..وهذا ليس بمدهش في موقف كهذا ، بل المدهش هو أن يتوقع المواطن – سودانيا كان أو جنوبياً – حرية بها يتجاوز نقاط حدود غير متفق عليها.. وبالمناسبة، لقد اكتمل طريق الساحل بشرق السودان قبل عام ونيف، وهو الطريق الذي يربط السودان بمصر، ومع ذلك – رغم أنف الحريات الأربع – لم يتم تدشين هذا الطريق القاري الى يومنا هذا..لماذا؟..ليس هناك مايعيق التدشين، غير أن وضع حلايب السودانية في هذا الطريق كما وضع أبيي وأخواتها الأربع في الطرق التي تربط السودان بجنوب السودان..أها، برضو تقول لي حرية حركة؟..وعليه، واقع الحال غير قابل للخداع بالدموع أوالتخدير بالخطب، وهو واقع بائس يمد لسانه ساخراً وصارخاً من هذا العبث، ويقول بكل وضوح : لن يهناً الأجنبي – سودانياً كان أو أجنياً بأية حرية من تلك الحريات الأربع ما لم تتحرر الحدود والبترول من قيود الأزمة…هكذا الواقع، فكفى تخديراً للرأي العام وسكباً لدموع التماسيح…!!
[/JUSTIFY]
إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]