رأي ومقالات

مولانا هارون .. « لا تغرق » في رمال كردفان

[JUSTIFY]عندما عُيّن مولانا أحمد هارون والياً لولاية شمال كردفان خرجت جماهير الولاية في مشهد غير مسبوق لاستقباله، لأنها تعلق عليه آمالاً كباراً، ذلك لأن الرجل يتمتع بسمعة إدارية طيبة وله »كارزما« عالية وقبول لدى المركز، علاوة على أنه أحد أبناء الولاية الذين أتيحت لهم فرصة الانخراط في سلك العمل العام حتى تسنم أعلى المناصب الدستورية على مستوى المركز والولايات. وقد كتبت من قبل أن مولانا هارون هو «رجل المهمات الصعبة، الذي صقلته التجارب وزادته حنكةً وحزماً وعزماً، وقدرة على التعامل مع الواقع تحت كل الظروف والمعطيات»، وعلّق أحد المراقبين قائلاً: «نحن صراحة أملنا في مولانا أحمد هارون كبير جداً لأنه رجل لديه القدرة على اتخاذ القرار وكلمته مسموعة لدى المركز في الخرطوم». ولكن يبدو أن مياهاً كثيرة قد جرت تحت الجسر أثناء الفترة التي ابتعد فيها مولانا هارون عن شمال كردفان، كما تسلق السلم السياسي أناس كثيرون بدون مقدرات فعلية أو رصيد سياسي من شأنه أن يسهم في الحراك السياسي المطلوب حتى تنهض الولاية مما أصباها من كبوة وتأخر عن الركب. نقول ذلك لأن ما حدث في مؤتمر شورى المؤتمر الوطني بالولاية المنعقد في يوم السبت 7/9/2013م يدل بما لا يدع مجالاً للشك أن الحرس القديم والوجوه المتكررة ستظل هي نفسها التي تدير العمل السياسي والتنفيذي في الولاية، وهذا لعمري مؤشر جد مؤسف وبداية لا تبشر بخير. فحسب المعلومات المتوفرة، فإن تمرير القائمة التي فازت لتشّكل القيادة العليا للحزب، قد صاحبه شيء من »الخم« والهتافات مسبقة الإعداد والإخراج، على الرغم من اقتراح ممثل المركز، المهندس فايز عباس، أمين دائرة كردفان الكبرى والنيل الأبيض، الذي حضر اللقاء، بأن تكون هناك عملية تمحيص وجرح وتعديل حتى يتم اختيار عناصر فعالة، ووجوه جديدة لديها القدرة على إحداث التغيير الذي وعد به السيد الوالي جماهير الولاية في أول خطاب له بعد توليه المنصب، مما يدل على أن الأمر برمته قد دُبِّر بليل بعلم مولانا هارون أو بدون علمه، مع افتراض حسن النية لدى الرجل الذي يبدو أنه لم يتسلم تقارير واقعية أو حتى معلومات أساسية من سلفه عن بعض الشخصيات الذين عقدوا المؤتمرات غير النظامية في بعض الأرياف والقرى مستغلين مواقعهم في الأمانة العامة للمؤتمر الوطني في الأبيض، حتى يفرضوا واقعاً مزوراً يمكّن لأفراد »الشلة« التي وصفها أحد كوادر الحزب بأنها تيار يجب التعامل معه! وكأن قيادات الحزب المتعاقبة على الولاية يعتبر كل واحد منهم أنه «تور خلا»، يجوز له أن يشطب كل ما قام به من سبقوه، بدون الرجوع لملفات الحزب ومضابطه التي يجب أن تمثل المخزون الإستراتيجي لبناء هياكله واستمرارية أعماله ونشاطه، فهل يعقل أن تكون هذه طريقة سليمة لإدارة شؤون حزب حاكم ينتظر منه الناس النهوض بهذه الولاية التي عانت الأمرين من إدمان الفشل، وسوء إدارة الحراك السياسي، حتى قعد بها ذلك عن مواكبة مثيلاتها من الولايات؟

عموماً يبدو أن مولانا هارون قد انطلت عليه بعض الحيل أو أنه قد تعامل بحسن نية لا يليق بأمثاله، خاصة أن الوضع الراهن يستدعي بالضرورة أن نتعامل بشيء من الحيطة والحذر حتى تتجاوز الولاية ما ألم بها من تخلف. كما أن بعض الأشخاص ذوي الطموحات الشخصية لا يهدأ لهم بال إلا إذا كانوا في الصدارة وتحققت مكاسبهم الشخصية والجهوية، ضاربين بالمصلحة العامة عرض الحائط، إذ لا يهمهم كثيراً ما ينبغي عليهم تقديمه من خدمات وإسهامات في تسيير دفة العمل نحو الأفضل، ويكفي أن بعضهم يعرف عنه التولي يوم الزحف، فكيف يسند له موقع قيادي في ولاية تحتاج لكل شخص يمكن أن يسد ثغراً من ثغورها التي لا تعد ولا تحصى؟

إن من الأمور التي تحمد للسيد الوالي أنه قد أعلن الابتعاد عن التعامل على أساس القبيلة أو الجهة، ولكنه فعل ما لم يكن في الحسبان بإقراره للطريقة التي أُدير بها المؤتمر بعيداً عن الشورى وحرية النقاش وتداول الآراء، وهو السياسي المتمرس، والقاضي الذي يراعي المبادئ والحقوق! ولعنا نعيد هنا ما ذهبنا إليه سابقاً «بأن دولاب الحكم في الولاية قد أصابه شيء من الاختلال، نظراً لما أصاب الخدمة المدنية والأداء السياسي من ضعف وترهل، ولذلك نرجو من مولانا هارون، بادئ ذي بدء، أن يضع نصب عينيه إعادة هيبة الحكم والمؤسسية والنظام على كل مستويات الحكم في الولاية، تنفيذياً وسياسياً، لأن الظل لا يستقيم والعود أعوج. وهذا لا يتحقق إلا بإسناد الأمر إلى أهله من ذوي الخبرة والكفاءة. ولذلك يجب أن تكون القوة والأمانة معياراً لتولي المناصب الدستورية والإدارية» ولكن أعتقد أن هذا الكلام قد ذهب أدراج الرياح أو أنه لم يجد أذناً صاغية.

وبما أننا أصحاب مصلحة حقيقية، نرى أن من الضرورة بمكان أن يُعاد النظر في ما جرى، باعتبار أن غياب الشورى ينذر بمستقبل مظلم، والرجوع إلى الحق فضيلة، خاصة وأن مولانا قد وعد المواطنين بإحداث تغيير كبير في الولاية، ولكنه على ما يبدو لم يضع معياراً واضحاً لتولي المناصب، بل أصرَّ على أن تسير الأمور كما يريد، لأنه هو الذي سوف يحاسب المسؤولين في حالة تقصيرهم في واجباتهم! إذن ما فائدة انعقاد مجلس الشورى ما دام أن الأمور تُدار بهذا الأسلوب الفردي؟ يا مولانا نحن نخشى عليك من الغرق في رمال كردفان، أو أن تعيد تجارب فاشلة بمثل هذا الاختيار والأسلوب! وبمعنى آخر بما أن البداية بهذه الشاكلة فإن الأمور ستؤول إلى ما هو أسوأ.

صحيفة الإنتباهة
محمد التجاني عمر قش[/JUSTIFY]