الطاهر ساتي

وسائل لمحاصرة الـ … « جوكية »

[ALIGN=JUSTIFY][ALIGN=CENTER]وسائل لمحاصرة الـ … « جوكية »[/ALIGN] ** بالحكمة ، القانون ، التفاوض ، الأخلاق السودانية ورفض مبدأ التشهير .. تلك هي الوسائل التى يستخدمها مدير البنك المركزي لمحاصرة المتعثرين وإنهاء أزمتهم مع البنوك ، أو هكذا يتحدث حاليا ..وكان قد تحدث سابقا بكشف أسماء المتعثرين ونشرها للرأي العام عبر وسائل الإعلام فى حال عجزهم أورفضهم تسديد ما عليهم للمصارف ، وهذا يسمى لغويا بالتشهير ..وعليه ، الحديث الحالي يعد تراجعا عن الوعد السابق ، رغم أن نسبة التعثر لم تنخفض إلا بنسبة 20% فقط لاغير ، ومع ذلك يرفض مدير البنك المركزي مبدأ التشهير بأسماء سبعة وثلاثين مواطنا ، هم الذين بيدهم نصف مليار جنيه .. أو كما قال ..!!
** حسنا .. نحدق سويا في تلك الوسائل المستخدمة لاسترداد أموال الناس والبلد من أيدي فئة قليلة ، نحدق فى الوسائل الخمس ، وسيلة تلو وسيلة ، من اليسار إلى اليمين ..رفض مدير البنك المركزي لمبدأ التشهير كان يصلح أن يكون رفضا منطقيا ومقبولا لو لم يشهر بهم سيادته ، ولو كان السيد المدير بعيدا عن تفاصيل المجتمع السوداني ثم تماسك تلك التفاصيل ، فعليه أن يعلم بأن هذا المجتمع لم يعد بحاجة إلي مؤتمر صحفي يعقده سيادته ليعلن الأسماء ، فالأسماء وعناوينها وشركاتها صارت أوكسجينا متاحا تتنفسه أسواق البلاد وتجارها ، وهذا السودان ضيق يا د. صابر ، بحيث لو اعتقلت الشرطة عند الفجر مواطنا مديونا في مبلغ ألف جنيه بسوق أرقو يأتي النبأ لتجتمع الكلاكلة وتستنفر الأهل لجمع المبلغ المطلوب قبل الضحى ، فما بالك حين يكون النبأ عظيما لدرجة أن ثلاثين ونيفا تحت يد جهاز الأمن والمخابرات الوطني (دائرة الأمن الاقتصادي) في قلب العاصمة بسبب مليارات المصارف .؟..هكذا حال السودان ، أوكما يصفه مجتمعه « بلد ضيقة » ..وعليه ، فان التشهير الذي يرفضه البنك المركزي مبدءا قد حدث وعم القرى والحضر ..!!
** الوسيلة الثانية .. الأخلاق السودانية ، لم أجد لها موقعا في إعراب التعثر ، علما بأن إحتراف مهنة الجوكية مع سبق الإصرار والترصد يعد بمثابة عمل غير قانوني ويجب أن يعاقب بالقانون ، وليس بالتسامح والعفو وباركوها ياجماعة وغيرها من الموبقات المسماة – شعبيا – بالأخلاق السودانية ..ثم نأتي لوسيلة التفاوض التى شرحها مدير البنك المركزي بحديث نصه : الجلوس إلى الأطراف ، أي البنوك و المتعثرين .. وتلك وسيلة ذات تجارب مزعجة وتثير غبارا من التوجس ، بحيث يحكم فيها أحيانا المثل الشعبي المعروف : « المال تلتو ولا كتلتو » ..وهذا ما نخشاه حكما في مجالس المال العام ، فليكن حكما فى مجالس المال الخاص بين الأفراد ، ولكن في مجالس المال العام حكم كهذا قد يفتح الطريق لآخرين ، وإن كان المال السايب يعلم السرقة كما فى أمثال العامة فان المال العام الذي لا يسترد كاملا غير منقوص قد يغري الكثيرين للعب ذات الأدوار .. فالتفاوض الجاد والأخير فى حال رفض أو عجز الاسترداد يجب أن يتم بين أطراف المرافعة والإتهام ومنصة القضاء ..وتلاقى تلك الأطراف هو الوسيلة الرابعة في حديث البنك المركزي ، القانون .. !!
** وتلك هي الوسيلة المغيبة تماما فى زخم الحدث ، ورغم أنها اعظم الوسائل شرعية إلا أن المصارف لم تستخدمها كما يجب ، ولو استخدمتها بمهنية وقانونية – وبلا مجاملة لزيد من الناس أو عبيد – لما تراكمت أثقال الديون ولما بلغ عدد المتعثرين والجوكية ذاك الرقم .. ويخطئ من يظن بانهم اجتمعوا ثم ذهبوا وسحبوا تلك المبالغ في لحظة واحدة ..لا .. ولكن تغييب القانون في التعامل مع الساحب الأول جاء بالساحب الثاني ثم الثالث و الرابع و …و… حتى بلغ العدد رقما أثار الرعب في المصارف وتسبب في كل هذا الصراخ .. فالوقاية بالقانون كانت غائبة ، لنجني العلاج بالصراخ والصحف و…« الأمن الاقتصادي » …!!
** ثم نختم بالحكمة ، الوسيلة الخامسة .. فالحكمة لا تقتضي فقط تشكيل تلك اللجنة المسماة بالمشتركة لإيجاد حلول أزمة المتعثرين .. لا .. تلك اللجنة فقط لا تكفي .. ما لم ترافقها لجنة تحقيق وزارية أو برلمانية لمعرفة مدى تطبيق المصارف للوائحها في لحظة تعاملها مع جوكيتها ومتعثريها الكرام .. لو لم تكن الأرض خصبة في دهاليز البنوك لما نبتت هذه الأزمة .. فالمحاسبة والمساءلة يجب أن تشمل الطرفين ، المصرف والعميل .
إليكم – الصحافة الخمس 13/11/2008 .العدد 5529
tahersati@hotmail.com [/ALIGN]