من المناصير إلى عوضية
السودان شأنه شأن الكثير من الدول ليس بمأمن من النوازل التي ترتكبها اجهزة الدولة وتؤثر على الوضع الحاكم لأن الوضع الحاكم نفسه فرض نفسه بدعوى عجز الدولة عن توفير الاستقرار، فالجماعات السياسية الراغبة في السلطة احزاباً كانت ام غيرها عوضاً عن الكلام عن اصلاح ادوات الدولة التنفيذية تذهب إلى القول إن العلة في الحكومة وتطرح نفسها كبديل فتسعى إلى السلطة بمذهب الغاية تبرر الوسيلة.
في الدامر انفض بالأمس اعتصام المناصير الذي استمر لأكثر من مائة يوم ضاربين في ذلك رقما قياسيا يمكن أن يسجل في موسوعة جينيس للارقام القياسية. إن نجاح المناصير في استمرارية الاعتصام وانفاذ لوجستياته وعدم الانفلات ثم بلوغ الاهداف يرجع إلى انهم حددوا هدفهم ووسيلتهم بدقة متناهية، فهدفهم تلخص في شعارهم (خيارنا محلي وحقنا كاش) اي انهم رافضون التهجير ولديهم دارسة علمية تؤكد صواب خيارهم فإن كانت هناك دارسات اخرى تدحض دراستهم فلندع (الموية تكضب الغطاس) وهم على استعداد لتحمل نتيجة خيارهم، فمن غير المعقول أن يضحوا بأرضهم من اجل المصلحة العامة ثم لا يسمع رأيهم اما وسيلتهم لنيل حقوقهم فهي رفضهم لإدارة السدود كأداة لتنفيذ هذا الخيار باعتبار أن ادارة السدود تتبنى وتصر على خيار التهجير.
ادارة السدود من ادارات الدولة التنفيذية برافعة سياسية اصبحت في مواجهة مع المناصير طوعا أو كرها. لقد احسنت الحكومة الولائية والمركزية عندما وقفت في الحياد (طوعا او كرها) ولم تفرض رؤية ادارة السدود على المناصير فلم تسع لفض الاعتصام باعتبار انه مهدد امني وذلك لأن المناصير لم يحيدوا عن هدفهم المعلن ولم يفتحوا الباب لأي رياح سياسية تدخل على خيمهم.
يحق للمناصير أن يسعدوا ويحق للحكومة أن تسعد ويحق لنا الشعب السوداني أن نسعد أن فينا من يحسن ادارة الأزمة.
تزامن مع انفراج ازمة المناصير حدوث ازمة اخرى في الديم الخرطومي وهو اطلاق النار على الآنسة عوضية عجبنا برصاص من شرطي من أمن المجتمع فمضت شهيدة مبكيا على شبابها. والشرطة كما هو معلوم من اجهزة الدولة التنفيذية ولكن قيامها على الجانب الأمني يمنحها خصوصية وبالتالي تصبح على تماس مع السياسة، وهنا يتوجب على الدولة أن تحيل الامر للقضاء وتقف امامه طرفا عاديا. وحسنا فعلت حكومة الخرطوم باعتذارها عن بيان الشرطة التي ما كان يجب أن تتسرع باصدار اي بيان لأنها اصبحت طرفا في القضية.
كل الذي نتمناه هو أن يمضي الامران لنهايتهما الطبيعية والعادلة، فالبنسبة للمناصير نتمنى أن ينفذ ما اتفق عليه بكل دقة، وبالنسبة لعوضية والتي نسأل لها الرحمة ولأسرتها الصبر نتمنى أن تمضي قضيتها الى نهايتها الطبيعية العادلة. وفي القضيتين دورس وعبر عالية التكلفة يجب أن تقف الحكومة عندها وتراجع القوانين المطبقة ونواحيها الاجرائية لتجود الاداء بين اجهزة الدولة التنفيذية والمجتمع ومن اجل مصلحة البلاد والعباد، ونضم صوتنا لصوت اسحاق الذي بح من اجل معاهد دراسات متخصصة تجيد صناعة القرارات وتترك تنفيذها للحاكمين، فالحكم عندما يصنع القرار وان كان به نسبة خطأ سوف يتضاعف الخطأ عن التطبيق.
[/JUSTIFY]
حاطب ليل- السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]