شاعر حدق العيون الفنان عبد القادر أبو شورة في بوح خاص (1-2)
جلسنا إليه في داره العامرة بالجمال، فكل زاوية فيها تشعرك بروعتها، وبساطة ترتيبه تدهشك وتشدك إليه، ضيف مساحتنا اليوم الذي كنا في ضيافته إنسان بسيط مرهف الإحساس، كامل الأناقة، وبادي الوسامة، متوسط القامة، يعلو رأسه اللون الأبيض اللامع الذي انتقل إليه كما قال بالوراثة وسرى في شعره تدريجياً مع تقادم الأيام، فحين بلغ سن الزواج اشتعل الرأس شيبا فزاده وقاراً على وقاره.. إنه الشاعر الفنان “عبد القادر أبو شورة” فإلى مضابط حوارنا معه..
{ في البداية قلنا له: حدثنا عن أميز ما كتبت من شعر غنائي؟
– رجع للخلف وأسند رأسه على الكرسي مسترجعاً شريط الذكريات وكأنما يشاهد بداياته الأولى على شاشة تلفاز، فقال: مسيرتي في الشعر الغنائي بدأت بقصيدة بعنوان (لغة العيون)، وكانت من نصيب الفنان الرقم ملك الإحساس الفنان “صلاح بن البادية”، يقول مطلعها:
(أنا والعيون ضمانا كون.. أحلى الكلام لغة العيون)،
ومازلت أذكر لحظة ميلاد هذه الأغنية وعندما أداها “بن البادية” للمرة الأولى بإحساس صادق كان ذلك في سبتمبر عام 1979م بـ(المسرح القومي) ضمن مشاركته في (مهرجان الثقافة) الذي كان يشهد تنافساً حميماً بين كبار الفنانين والشعراء.
{ صف لنا شعورك لحظتها؟
– حقيقة لا أستطيع أن أعبر عن شعوري في تلك اللحظات، فرحتي وسعادتي وأنا أستمع لـ(أنا والعيون ضمانا كون) بصوت “بن البادية” كانت لا توصف وكانت شيئاً أشبه بالتحليق في الفضاء، وأذكر وقتها قوبلت بهالات من التصفيق الحار من الجماهير، وما زاد الموضوع جمالاً جلوسي بالقرب من الأب الروحي للمسرح السوداني أستاذنا الأديب والكاتب المسرحي الراحل المقيم “خالد أبو الروس” وهو بالطبع كان من نجوم ذلك الزمان، فبادرني بسؤال قائلاً: (يا ولدي متأكد الكلام دا ليك؟)، فأجبته: نعم متأكد كما متأكد تماماً من جلوسي بالقرب منك، فقال لي: (أبشر.. أنت وصلت)، فجاءت كلماته هذه بمثابة قلادة شرف واعتراف بشاعريتي.
{ ومَنْ مِنْ الشعراء الكبار أيضاً في ذلك الزمان اعترف بك كشاعر؟
– الاعتراف الثاني جاء من أستاذنا الشاعر الجليل “مبارك المغربي”، فقد كنت التقيه دائماً بـ(نادي الخريجين) بأم درمان الذي كان يأتي إليه محبو الشعر من كل فج عميق لمتابعة منتداه الثقافي، فقدم كلمة عني قال فيها: (ابننا “أبو شورة” بدأ من حيث انتهيت أنا)، وابننا هذه تدل على صغر سني وقتها قبل أن يشتعل رأسي شيباً، وكم كنت فخوراً بحديثه عني وإشادته بي.
{ هل واجهتك مضايقات خلال تلك البدايات؟
– كان هناك من يتربصون بي باعتبار أن نجاحي ضربة حظ إلى أن جاءت (التجربة الثانية) بميلاد الأغنية التي جمعتني بالفنان العملاق “محمد ميرغني” تحت عنوان (جلسة ريد) المعروفة بـ(عاطفة وحنان)، فهذه الأغنية جاءت في توقيت مناسب وكانت بمثابة السند للأغنية للأولى إلى أن جاءت (التجربة الثالثة) التي جمعتني بفنان إفريقيا الأول الراحل المقيم “محمد عثمان وردي” بعنوان (وطن الشموخ) التي اشتهرت بـ(حدق العيون)، يقول مطلعها (حدق العيون ليك يا وطن أصبح مقر وأصبح سكن)، وبفضل الله وتوفيقه استطعت بهذه الأغنيات الثلاثة الناجحة أن أخرس ألسنة الأعداء.
{ وهل اكتفيت بهذه الثلاثية أم هناك مطربون آخرون تعاملت معهم؟
– تجاربي الناجحة مع “وردي”، “بن البادية” و”محمد ميرغني” أعطتني الثقة في نفسي وبعدها انطلق مشواري الإبداعي مع العديد من المطربين من بينهم الفنان المبدع “حمد الريح”، ثنائي العاصمة “السني الضوي وأبو ديه”، “سمية حسن”، “علي السقيد” و”سميرة دنيا”.
{ ألم يكن للمطربين الشباب نصيب من أعمالك الغنائية؟
– من الشباب تعاملت مع المطرب “هشام درماس”، “غاندي السيد” و”أحمد البحراي”، وهنالك عمل جاهز قدمته للمطربة “أسرار بابكر”، ولكنها للأسف اعتزلت الغناء.
{ لماذا هذه المحدودية في التعامل الفني؟
– بصراحة لأن الصعود إلى القمة سهل، ولكن من الصعب المحافظة عليه، فتعاملي مع فنانين كبار لهم وزنهم ومكانتهم في الوسط الفني جعلني أتريث وأدقق كثيراً في اختيار (الأصوات) التي أتعامل معها، وللعلم لدي الكثير من الأشعار الغنائية، ولكنني للأسف لا أجد الأصوات المناسبة، ورغم أن الساحة الشبابية مليئة بالأصوات الجميلة، ولكن أعيب عليهم اختيارهم للأغنيات والتي تأتي دائماً دون المستوى.
{ وماذا تقول عن أبناء جيلكم من الشعراء الذين قاموا بمجاراة الأغاني الشبابية؟
– أنا ضد كل من: (يجاري الموجة)، وبالنسبة لي لن أُحيد عن خطي في الكتابة، وأفضل أن تظل أعمالي حبيسة الأدراج من أن الجأ إلى أسلوب (كتابة الأغاني حسب الطلب)، فهذه النوعية من الأغنيات (الدكاكينية) تسئ للفن والفن طبعاً مسؤولية.
{ مسؤولية مَنْ؟
– مسؤولية تكاملية بين الجميع الفنان والشاعر والملحن وحتى المستمع له دور في الحفاظ على هوية الفن وقيمته.
حوار- صفاء المحمود: المجهر السياسي