ورود على قبر وردي
(1)
في صباح الاحد الماضي كانت الحركة في العاصمة خفيفة جدا عربات وراجلين مع ان اليوم بداية اسبوع فالواضح ان الناس لزمت بيوتها لمشاهدة تشييع جثمان وردي من خلال التلفزيونات . لابل حتى الذين حاولوا مزاولة اعمالهم كالمعتاد كانوا في حالة حزن قليلو الكلام خفيضو الصوت وان كان ثمة كلام فهو عن وردي . لم اشهد في حياتي حزنا ساد كل البلاد وألم بكل الناس كما رأيته في ذلك اليوم . انه حزن نابع من الوجدان لم يعز به احد ولم تخلقه الميديا، حزن حفره وردي في الدواخل بما قدمه من فن راق (ولا الحزن القديم انتي ولا لون الفرح انتي).
(2)
في ليلة السبت مطلع هذا الاسبوع (جاءنا الخبر منشاع / في الاربع قبل اسود طويل الباع) وكانت قناة النيل الازرق اول من بثته للناس ثم اوقفت بثها على الحدث . قبل الخبر كانت القناة تقدم برنامجها الاجتماعي المعروف الذي يتصل فيه اصحاب المشاكل الخاصة بالسيدة سارة ابو والدكتور سليمان علي احمد ومقدمة الحلقة سهام عمر. بعد بث الخبر اصبحت الاتصالات حول وردي بينما تحول الضيفان الي معلقين على ذات الحدث والشهادة لله ان مقدمة البرنامج وضيفيها نجحوا نجاحا كبيرا في ادارة الموضوع الحزين رغم انه لم يكن في حسبانهم عندما بداوا حلقتهم العادية واستمرت الحلقة الي مابعد منتصف الليل.
(3)
اذاعة ام درمان بعد اذاعة الخبر ظلت تقدم في سيرة وردي الذاتية المسجلة باسمه وكانت تحذف الاغاني وتبث مكانها موسيقى حزينة مع اتصالات تلفونية فقد حالفها التفويق في تفردها . قناة الشروق التي كانت غائبة عن الحدث في ليلة السبت عوضت مشاهديها ببث يوم الاحد فقد اوقفته كله تقريبا على وردي وفي السهرة اعادت سهرة سوداني التي قدمتها نسرين سوركتي مع وردي بحضور الراحل حسن ساتي وابو قطاطي ثم روجت لسهرة الاثنين التي ستكون اعادة لحلقة حسين خوجلي مع وردي وكذا سهرة الثلاثاء ستكون معادة مع وردي.
(4)
كل الصحف الصادرة في الخرطوم صباح الاحد كانت عناوينها الرئيسة باللون الاسود عن الرحيل ومعظمها استخدم كلمات اغنيات وردي في نعيه للشعب السوداني مثل (وداعا نور العين) و(دي الاراردة) و(سامح دمعتنا المعذورة) و(وردي :–قلت ارحل) و(غادرنا من غير ميعاد) ومعظمها اوقف صفحة او صفحتين لمناسبة الرحيل وبعضها اعاد حوارات سابقة مع وردي وهناك من كتب عموده في ذات المناسبة رغم ان خبر الوفاة جاء والصحف في طريقها الي المطبعة لابل ان بعضها قد سحب من المطبعة بعد ذهابه اليها.
(5)
حكى لي ابني والذي ذهب على مضض لفصله الدراسي ان استاذتهم المحاضرة دخلت عليهم ووجدت اكثر من نصف المقاعد فارغا حتى الحضور كان بين واجم ومطرق فما كان منها الا ان انفجرت باكية وخرجت بسرعة ومن بعد خرج الطلاب واحدا واحدا في حالة لاتختلف كثيرا عن حالتها ولم يتكلم احد مع احد ولم يسأل احد احدا . اي سر هذا الذي استودعه الرحمن فيك ياوردي والذي جعل كل سوداني يعزي فيك كل سوداني.
[/JUSTIFY]
حاطب ليل- السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]