التمكين والتمكين المضاد
في اجتماعه الأخير بقادة الخدمة المدنية طرح رئيس الجمهورية سياسة جديدة من الحكومة تجاه هذه الخدمة التي نكبت كثيرا في عهد الانقاذ هذا فقد بدأت الإنقاذ بتوجهات شديدة العداء نحو الخدمة المدنية حذرا من بعدها السياسي المتمثل في النقابات. فالحركة النقابية السودانية منذ الاستعمار لم تكن بعيدة من السياسة فخوف الانقاذ منها جعلها تضعها في خانة الأعداء منذ يومها الأول فكان التوسع في سياسة الصالح العام الذي لم يقف عند المخاوف السياسية بل تعداها الى طمع المحسوبين على النظام في وظائف الدولة التي كان على رأسها آخرون بحكم مؤهلاتهم، فالحكاية تحولت إلى (قلع) فجثت تلك الخدمة على ركبتيها إلى يوم الناس هذا.
كلام رئيس الجمهورية بأن القواعد العامة هي التي سوف تحكم الوظيفة العامة وانه لن تكون هناك محسوبية أو حزبية اي نهاية سياسة التمكين يمكن أن تجد طريقها للنفاذ هذه المرة لأن المؤهلين للوظائف العامة مع قلتها هم (اولاد المصارين البيض) لانهم الذين تعلموا وتأهلوا واخذوا كورسات اضافية في ارقى جامعات الدنيا من ماليزية وغيرها ولكن ومع ذلك ستظل هذه الخدمة محفوفة بكثير من الأمراض.
لن يطالب احد بإرجاع الذين احيلوا للصالح العام لأن بعضهم احيل منذ عشرين عاما وبالتالي كثير منهم ادركتهم سن المعاش وهم في الصالح العام ولكن هناك امكانية لجبر الضرر وقد انشئت عدة لجان لهذا الأمر فلم نسمع لها حسا ولا ركزا. عمليات التوظيف اصبحت قليلة جدا هذا اذا لم نقل انها غير موجودة فالجامعات (تشيل وتكب) في الشارع وستظل يد الدولة مغلولة فيما يتعلق بالتوظيف لمدة قد تكون طويلة، فالحال يغني عن السؤال حتى ابواب الاغتراب اصبحت شبه مغلقة (كنا نأمل في ليبيا ودولة جنوب السودان) أن تمتصا فائض العمالة من جارتهما السودان ولكن هذا الامل اضحى بعيدا واسألوا العنبة عن السبب.
المشكلة الآن في الخدمة العامة بصفة مطلقة فقد تكالبت عليها المصائب ولم يعد فيها رجاء، وبالتالي ينبغي التفكير في فك جمود الاقتصاد السوداني حتى تتوفر فرص العمل الخاص للخريجين حتى يتضخم المجتمع على حساب الدولة، فالدولة عرفنا الفيها، كل المطلوب منها أن ترفع يدها الثقيلة من الأسوق والطرقات والمعاملات وتختفي دولة الجباية والمكوس وصفافير الطريق ليتحرك السوق ويتحرك المجتمع. على الدولة أن تكف يدها القائمة على المنع فالأصل في الدولة اليوم المنع، اذا اردت أن تصدق طاحونة في الحي عليك احضار عشرين شهادة ودفع خمس عشرة ضريبة وحاجات تانية حامياني فكيف يبادر المجتمع في هذه الحالة؟ الدولة اليوم ليس عندها وظائف وليس عندها ما تدفعه للمحوجين أو ما تمول به القادرين فالمطلوب منها أن لا تسجنهم في مطلوباتها بل تتركهم لخشاش الأرض .
لكل الذي تقدم يمكن أن نصل إلى خلاصة مفادها أن التمكين حطم الخدمة العامة ولا سبيل لعودتها لسيرتها الاولى، فقد دخلها (الما بتتداوى) والاوفق الآن عدم تضخيم الخدمة العامة بما فيها الخدمة المدنية والأنسب أن نفكر في تمكين مضاد وهو تمكين المجتمع وإضعاف الدولة بمنهج علمي مجرب سارت عليه الكثير من الدول قبلنا ونجحت.
[/JUSTIFY]
حاطب ليل- السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]