تحقيقات وتقارير

سلفاكير في الخرطوم. . الهدف والمضمون

[JUSTIFY]حتى عهد قريب لا تثير زيارة سلفاكير للخرطوم اهتمام الشارع السودانى ، فالفريق أول ركن سلفاكير ميار ديت هو ذاته النائب
الأول السابق لرئيس الجمهورية قبل أن تفعل السياسة فعلتها لتؤجج الصراع والتشاكس بين المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية وتمزق الدولة السودانية بالانفصال الى دولتي السودان وجنوب السودان ، ولكن مايثير الاهتمام أن هذه الزيارة تأتى بصفة سلفاكير رئيسا لدولة جنوب السودان وهى دولة مستقلة وذات سيادة كاملة انشطرت من رحم السودان ،الا أن الزيارة ذاتها هى الثانية لسلفاكير للسودان وقد تأجلت أكثر من مرة منذ أن جاءت السابقة فى الثامن من نوفمير 2011 عقب استقلال دولة جنوب السودان فى التاسع من يوليو 2011 ، ولكن ما يثير الاهتمام أن تجئ هذه الزيارة عقب قطيعة دامية وشد وجذب وحرب ضروس كانت هجليج مسرحا لها أصبحت مهددة للأمن والسلم الدوليين ، قادت بدورها لقرار مجلس الأمن الدولى الأخير 2046 ، والذى قاد بدوره لتوقيع اتفاق التعاون المشترك بين الدولتين وقع عليه رئيسا السودانيين البشير وسلفاكير بأديس أبابا تحت رعاية الاتحاد الأفريقى ووساطة رئيس الآلية الأفريقية الرفيعة ثامبو أمبيكى في سبتمبر 2012 وقد تضمن الاتفاق تسعة بنود من بينها قضايا الحدود، تصدير النفط ،المواطنة وغيرها . الا أن الزيارة ذاتها كما وصفها مراقبون أنها تعتبر مؤشراً جيدا على تحسن العلاقات بين الخرطوم وجوبا ، وقد وصلت لطريق مسدود عقب اغتيال ناظر الدينكا نقوك الناظر كوال دينق ماجوك فى ظروف غامضة اتهمت به جوبا الخرطوم ، فيما تأزمت اكثر عقب دخول قوات الجبهة الثورية المناوئة للحكومة السودانية مدينة ام روابة بشمال كردفان واحتلالها لبلدة ابكرشولا بجنوب كردفان اتهمت الخرطوم جوبا بدعم هذه القوات،الا ان حدة التوتر تزايدت عقب اعلان السودان قفل خط أنبوبه أمام مرور بترول دولة الجنوب خلال ستين يوما ،قبل نجاح وساطة الاتحاد الافريقى والتى يقودها رئيس الآلية الأفريقية الرفيعة أدت بدورها لتأجبل تنفيذ القرار السودانى أكثر من مرة . ولكن هل فعلا توصل الطرفان لنقطة التقاء لتسوية الملفات العالقة بينهما ؟ .
المبعوث الصينى الخاص للشئون الافريقية تشونغ جتان هوا يقول ان بلاده لازالت تبذل اقصى جهودها لوضع لمسات تساعد في تنفيذ الاتفاق بين السودان وجنوب السودان واستدامة السلام بينهما ، مشيراً الى ان زيارته الاخيرة لدولة جنوب السودان خرجت بانطباعات ايجابية تؤكد التزام دولة الجنوب بتنفيذ كافة الاتفاقيات الموقعة مع السودان في الفترة المقبلة ، مبيناً بان تمديد فترة ضخ النفط تصب في انعاش اقتصاد البلدين ومراعاة مصلحة شركاء النفط خاصة اقتصاد دولة جنوب السودان الذي ظل يعاني من ضائقة مالية جراء توقف آبار النفط في الفترة الماضية .
أستاذ العلاقات الدولية عبد الرحمن أبوخريس يقول فى حديثه لـ»الصحافة» ان الموعد الذى حدده السودان لقفل انبوب النفط تم تأجيله بطلب من جوبا لتوفيق أوضاعها الداخلية ولحسم الصراعات داخل حزبها الحاكم مما قاد لتكوين حكومة جديدة لتدفع بالعلاقات بين البلدين لما يعزز طموحات وتطلعات شعبيهما ، الا أن أبوخريس يؤكد بأن زيارة سلفاكير للخرطوم ذات أهمية ومضمون جاءت لدفع المسار التفاوضى ولحسم الملفات العالقة ورعاية المصالح المشتركة بين الدولتين، ومأمول لها ان تقود الى التطبيع الكامل بين الدولتين، الا أن أبوخريس عاد قائلا الأوضاع تتطلب نية صادقة من قبل الطرفين ، داعيا الخرطوم الاستفادة من الروح الايجابية الجديدة التى جاءت بها دولة جنوب السودان .
ولكن أولا دعونا نتوقف قليلا لنستجلى صحة زيارة سلفاكير وتوقيتها وأهميتها ؟ ومن ثم ماذا يحمل سلفاكير فى حقيبته للخرطوم ؟ الناطق الرسمي لوزارة خارجية دولة جنوب السودان ماكول ماوين يؤكد بان وزير خارجية بلاده برنابا ماريال بنجامين سيصل الخرطوم لترتيب الزيارة مع نظيره السودانى علي كرتي وتحديد موعد لانعقاد قمة الرئيسين ، فيما قطع مكتب رئيس دولة جنوب السودان بأن الرئيس سلفاكير سيصل الخرطوم نهاية الشهر الجارى لـمناقشة تنفيذ اتفاق التعاون المشترك الموقع عليه من قبل الرئيسين في 27 سبتمبر 2012، والذى يتضمن بنودا عديدة من بينها أمن الحدود، وتصدير النفط والمواطنة وغيرها من القضايا، ومن المتوقع أن يبحث رئيسا البلدين كيفية حل المسائل العالقة فى منطقة أبيي، وآليات حل الخلافات حول المناطق الحدودية المتنازع عليها بين البلدين، فيما أكد وزير خارجية دولة جنوب السودان برنابا ماريال بنجامين بنفسه، صحة زيارة الرئيس سلفاكير للخرطوم وقال انها تدل على التزام حكومته بالعمل على قيام علاقات قوية مع السودان وتدل أيضا على التزام حكومة جنوب السودان بالتنفيذ الكامل لاتفاق التعاون المشترك الموقع بين البلدين ، وقال ان وزارته ستدفع فى اتجاه تعزيز الثقة بين البلدين ،وزاد قائلا قيادة البلدين في حاجة للعمل سويا جنبا الى جنب وأن العلاقات التاريخية والحدود المشتركة ستوفر الاسس القوية لاقامة تعاون ثنائي دائم بين السودان وجنوب السودان ،مؤكدا فى ذات الوقت حرصه شخصيا على التعاون بين البلدين بما يمكن من تعزيز العلاقات الودية بينهما.
السفير عثمان السيد يقول فى حديثه «للصحافة» اعتبر ان الاجواء ممهدة لتطبيع العلاقات بين البلدين عقب ابعاد جوبا لبعض العناصر التى لعبت دورا سالبا اثر على مستوى العلاقة بين جوبا والخرطوم، ويؤكد بان التصريحات المتبادلة بين الجانبين ايجابية وان الخرطوم من جانبها اكثر استعدادا للوصول لاتفاق مع جوبا لحلحلة كافة المسائل العالقة بما فيها البترول والمسائل الامنية والحدود ومشكلة أبيى ومشاكل المنطقتين ،الا ان السيد يحذر بشدة من انهيار الاتفاق ويقول بانها من الايجابيات ان تترك الدولتان مسألة التحقق من تواجد الحركات المسلحة الى لجنة خاصة افريقية تحت رعاية الاتحاد ،وجزم السيد بان دولة جنوب السودان قد توصلت لنتيجة بدل ان تخسر كل حاجة ويكون حصيلتها صفر الافضل لها ان تتقاسم الخيار المتاح بين الدولتين قالها باللغة الانجليزية ون ون ، ويؤكد السيد مجددا ان كافة المعطيات من حدود طويلة مشتركة اكثر من 2000 كيلو متر مشتركة وتداخل مجتمعى عبر 5ولايات ثقافة غذائية واحدة ومصالح كثيرة مشتركة تجعل حتمية العلاقة بين السودان وجنوب السودان ان تصل لمرحلة التطبيع . ولكن ماذا يدور على ارض الواقع بين الدولتين ؟ قوات الجبهة الثورية لازالت تشكل تهديدا للحكومة السودانية بتحركاتها المريبة ،فيما كشفت مصادر لـ»الصحافة» عن تواجد أكثر من 250 لاندكروزر بمنطقة كاكا التجارية غرب البحر وأكثر من 250 أخرى بمنطقة بانتيو بداخل الأراضي الجنوبية وكذلك أكثر من 100 فى راجا وأخرى فى مناطق أبو الحسن وتومى وأم درمان وقوات أخرى حجزتها الخيران فى مناطق الجبال الغربية ،فيما لا زالت الآلية الخاصة للتحقق من الدعم والايواء التابعة للاتحاد الافريقي تواصل زياراتها لكل من الخرطوم وجوبا ، فيما ستعقد اجتماعا لها اليوم تم تأجيله بعد ان كان مقررا له منتصف الشهر، ويتوقع مراقبون ان تدفع بتقريرها بما يختص بمبادرة الرئيس ثامبو أمبيكي والتي تختص بالتحقق من الشكاوى والاتهامات بشأن دعم وايواء الحركات المتمردة ،فيما أكد العقيد الصوارمي خالد سعد انعقاد اللجنة الأمنية المشتركة بين البلدين بالخرطوم يوم 20 أغسطس الجاري ، ومؤكدا فى ذات الوقت التزام حكومة السودان بالتعاون المطلق مع هذه الآلية حتى تتمكن الآلية من تحقيق الأهداف المرجوة منها لضمان ايقاف أي دعم أو ايواء للحركات المتمردة، وأن تتمكن كذلك من تهيئة البيئة المناسبة لاستئناف تنفيذ وتطبيق كافة اتفاقيات التعاون المشترك الموقعة بين السودان وجنوب السودان .
اذا ماذا ترى قيادات الحزب الحاكم فى جوبا ؟القيادى بالحزب الحاكم فى جوبا أتيم قرنق رئيس الكتلة البرلمانية يقول فى حديثه لـ»الصحافة» مابين السودان وجنوب السودان مصالح مشتركة لا يمكن التغاضى عنها وعلى الدولتين أن تعملا فى اتجاه تعزيز تلك المصالح المشتركة لمصلحة شعبيهما ،ويؤكد قرنق أن حزبه الحركة الشعبية فى جنوب السودان على استعداد لدفع هذه الجهود ،واصفا التغييرات الحكومية الأخيرة بجوبا بانها جاءت ضمن استراتيجية الحزب وليست بضغوط أو املاءات خارجية وان رآها السودان ايجابية عليه أن يستفيد منها ، مؤكدا بأن الجنوب دولة مستقلة وملتزمة بالقوانين الدولية ، ولا تسعى لزعزعة الأمن والاستقرار فى السودان وأن مايجرى فيه شأن داخلى يخص مواطنيه ،الا أن قرنق عاد قائلا أى توترات أمنية تؤثر على السودان ستلقى بظلال سالبة على جوبا والعكس صحيح . ولكن ماذا عن الاتهامات المتبادلة بين الخرطوم وجوبا بشأن دعم كل منهما معارضى الآخر ؟ نفى القيادى قرنق بشدة دعم جوبا للحركات المسلحة وقال ان دولته وليدة وفقيرة وأن شعبها يعانى نقص الخدمات والتنمية فان كان لديها من المال يجب أن توجهه لخدمات شعبها ، الا أن قرنق عاد مبينا بأن العلاقة بين حزبه وقطاع الشمال علاقة فكرية انتهت بالانفصال ،وليست عضوية مثلها كالعلاقة بين الوطنى فى جوبا بالوطنى فى الخرطوم وكذلك الشعبى وتنظيمات أخرى ، مؤكدا التزام جوبا بالقوانين الدولية والاتفاقيات مع السودان وليست على استعداد لتقديم أى نوع من الدعم لأى من الحركات المسلحة المناوئة للسودان ، ولكن قرنق عاد مطالبا الخرطوم بألا تتخذ من جوبا شماعة لتعلق عليها فشلها وقال عليها أن تسعى لحلحلة خلافاتها مع معارضيها بالحوار والتفاوض ، مبينا أن تجربة جوبا فى هذا الجانب جاءت ناجحة وقد خاضت حوارات مع معارضيها وتوصلت لاتفاق حلت بموجبه 90% من مشاكلها مع المليشيات المسلحة واتجه الجميع الآن للتنمية والخدمات .

تقرير : إيراهيم عربي: صحيفة الصحافة[/JUSTIFY]