(الضرا) إفطار رمضان يأبي الاندثار
تقول الحاجة “أم كلثوم” إنها وجدت أجدادها وآباءها منذ أكثر من (70) عاماً يخرجون إلى الشارع العام يحملون (الصواني) الرمضانية ويتناولون الإفطار مع بعضهم البعض.. الجيران والأقارب وعابرو السبيل، وكل من أدركه وقت الإفطار، يجد إفطاره في الطريق فيجلس مع أية مجموعة كما يشاء وكيفما يريد. وتمضي الحاجة “أم كلثوم” قائلة: (الحمد لله يا بتي ما زال الخير راقد والدنيا لسه بخيرها).
من جانبه يقول المواطن “محمد عثمان” ويسكن مدينة المهندسين: (هذه العادة جبلنا عليها في قرانا الصغيرة، ولكن عندما حضرنا إلى هذا الحي لم نجد هذه العادة، وهي فقط موجودة في الأحياء الشعبية المجاورة للحي كالفتيحاب والمربعات والمنصورة وأمبدة.. ولا ندري لماذا يفتقر هذا الحي لهذه العادة، كل يغلق عليه بابه ويتناول إفطاره في منزله، لكن في الشوارع الرئيسية نجد أصحاب البقالات الكبيرة يتناولون إفطارهم مع بعضهم البعض ويحيون هذه الصفة الحميدة دون كلل أو ملل ويكسبون أجرها).
وفي السياق تقول (حبوبة زينب): (نحن في الولاية الشمالية نستمتع ونكون مبسوطين لما يجونا ناس صائمين ومحتاجين للموية واللقمة الدافئة في شهر رمضان، ولقد كان رسول الله “صلى الله عليه وسلم” أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام، وكان جبريل يلقاه كل ليلة في رمضان ويدارسه القرآن، فرسول الله “صلى الله عليه وسلم” حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وهكذا كانت خصال رسولنا محمد “صلى الله عليه وسلم” فلنقتدي به.. أما الشاب “إبراهيم “من ولاية الجزيرة فيقول: (أنا منزلي يقع جوار الشارع الرئيسي الذي يربط ما بين الخرطوم وولاية الجزيرة، وفي وقت الإفطار وحين يقترب وقت أذان المغرب نقف عند مدخل الشارع الرئيسي ونقوم بإيقاف البصات الكبيرة حتى يتناول المسافرون وجبة الإفطار معنا وتحليل صيامهم بالتمر والماء، بجانب قدح العصيدة والنشاة الدافئة والمشروبات المثلجة)، وأضاف: (نحن ابتدرنا هذه العادة، فدرج جميع أهل القرى المجاورة لنا عليها وعمت كل أنحاء ولاية الجزيرة خاصة والولايات الأخرى عامة).
وتقول الآنسة “نهى”: (دائما ما يحثنا والدي على تجهيز الطعام في وقت وجيز، حتى يستطيع أن يجمع أكبر عدد من الصائمين لتناول وجبة الإفطار معنا خارج المنزل (الضرا)، وكان يغضب إذا تأخرنا في إعداده، وكنا نقوم بتنفيذ كل طلباته بإعداد الموائد الكبيرة لتقديمها للمساجد وعابري السبيل داخل وخارج الحلة).
وتقول “هويدا”: (في هذا الشهر الكريم هناك ثلاث سمات يجب أن يتصف بها الإنسان الصائم حتى يكون من الفائزين، أولها إطعام الطعام وإمساك اللسان وقراءة القرآن، فنحن نقوم بإعداد الطعام وإرساله للجيران عبر الحائط ونتبادل الأطعمة منذ بداية هذا الشهر حتى خواتيمه، كما نقوم بإعداد الموائد للرجال لتقديمها ووضعها في (الضرا) الذي يجد أهمية كبرى من أسرتي التي درجت عليه منذ نعومة أظافرنا).. وتمضي “هويدا” قائلة: (“الضرا” عادة جميلة تميز شعب السودان عن غيره، وبالرغم من أن السودان يعد من الدول النامية لكن كل صائم يفطر ويتناول وجبة الفطور بكل سهولة، وفي أي وقت وكيفما يشاء في أي مكان، مع الجيران والمساجد وهكذا).
وحملنا أوراقنا صوب هيئة علماء السودان والتقينا بالشيخ “إبراهيم آدم” مساعد الأمين العام لهيئة علماء السودان الذي ابتدر حديثه قائلاً إن (عادة الضرا) ميزة يتميز بها أهل السودان، وهي مظهر من مظاهر الصدقة جاء بها الإسلام، وهي جماعية العمل والعبادة (مظهر اجتماعي)، والعمل الجماعي والسكن والسفر، وتقديم الصدقات (الضرا) في جماعة إشارة من إشارات القرآن الكريم كما قال تعالى: (أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا)، وهي تبين أن الإنسان مخلوق اجتماعي يتماشى مع الفطرة البشرية لا يعيش ولا يهنأ بالعيش إلا في جماعة، وهذا أيضاً يلبي سنة إفطار الصائمين خاصة إذا كانوا على سفر أو غرباء أو حال الوصول إلى منازلهم (حالة المواصلات) مثلاً، ويتميز إخواننا في الولايات بهذه الميزة، خاصة أهل الجزيرة، وهناك تنافس فيما بينهم.. والصدقات من أفضل الأعمال الصالحات التي أمر بها الإسلام قال تعالى: (فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ)، وقال “صلى الله عليه وسلم”: (من استطاع منكم أن يتقي النار فليتصدق ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة).. أخرجه الإمام “مسلم”، ونجد من أفضل الصدقات هي صدقة رمضان كما روى “أنس بن مالك” (رضي الله عنه) عن الرسول “صلى الله عليه وسلم” قال: (فأي صدقة أفضل؟ قال صدقة رمضان)، وأخرجه “البيهقي” عن “سلمان” في فضل إفطار الصائم قال: (قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم”: من فطر فيه صائماً كان له مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء، قلنا: يا رسول الله، ليس كلنا نجد ما نفطر به الصائم، فقال رسول الله “صلى الله عليه وسلم”: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على مذقة لبن أو تمرة أو شربة من ماء، ومن أشبع صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة).[/JUSTIFY]
انتصار عوض
صحيفة المجهر السياسي