رأي ومقالات

يظن البعض أن التخلص من الإسلاميين في مصر هو الذي أمطر على مصر المليارات

درج أستاذ اللغة العربية أن يترك لتلاميذه حرية اختيار موضوع الانشاء، كل يكتب في الموضوع الذي يراه!!
أحد التلاميذ حفظ موضوعاً عن المولد، ففي كل مرة كان يكتب عن ذات الموضوع مع تغيير الجُمل والكلمات وتأخير وتقديم وتغيير مواقع الجُمل فيأتي الموضوع مختلفاً في التعبير مع ثبات المضمون، أستاذ اللغة العربية لاحظ أن التلميذ يكتب ذات الموضوع في كل مرة، ولذلك قرر ذات يوم أن يُعطي تلاميذه موضوعاً إجبارياً يكتب فيه الجميع، وكان الموضوع عن رحلة بالطائرة!!
التلميذ صاحب المولد بدأ موضوعه بوصف الإجراءات المتبعة في المطار، حتى ركوب الطائرة وبدأ في سرد عملية تحرك الطائرة وكيف سارت بسرعة على طريق الإقلاع حتى طارت في السماء، وبينما الركاب ينظرون من النوافذ، ويؤشرون على ما يرونه من تحتهم في حالة شابها بعض الخوف وبعض المتعة، وبعد نصف ساعة من الطيران أعلن الكابتن للركاب أن عطلاً حدث بالطائرة الأمر الذي سيضطرهم إلى الهبوط في أقرب مطار!!
ساد الهرج والمرج بين ركاب الطائرة الذين ربطوا الأحزمة وامتنعوا عن التدخين وهبطت الطائرة بسلام في المدينة المحددة!!
تم إنزال الركاب وادخلوهم صالة الانتظار في المطار وحتى لا يملوا من الانتظار نظمت لهم شركة الطيران رحلة سياحية للمدينة لحين إصلاح العطب في الطائرة!!
واستقلينا الحافلة إلى المدينة: يسترسل في موضوعه.. وعندما وصلنا المدينة وجدناها تحتفل بالمولد وأخذ يوصف المولد كما حفظه!!
على نسق موضوع المولد هذا جرت كل التعديلات الوزارية السابقة، التي تحرك فيها الوزراء بين الوزارات كما حرك التمليذ الجمل في موضوعه المحفوظ عن ظهر قلب دون أي تغيير في مضمون الموضوع وفي حالة التعديل كذلك!!
في موضوع التلميذ جمل ثابتة، وأخرى تتقدم وثالثة تتأخر، وكذلك في التعديل الوزاري فالجمل الثابتة في التعديل تجذب إليها بعض الوزارات وتؤخر البعض بحيث لا يخل التقديم والتأخير بالمضمون، فالجمل الثابتة «أو الوزارات الثابتة» هي من يعبر عن المضمون!!
وهذا شأن كل الأنظمة المغلقة تعتمد في انطلاقها على تلك الثوابت التي تختار للوزارات الشخصيات الهشة والباهتة التي لا تقرر فالثوابت هو من يقرر لها!!
والثوابت في النظام بشر يخطئون ويصيبون وفي كثير من الحالات ينكسرون أمام الشهوات السلطوية حيث ينفذ من تم اختيارهم الوزراء المتحركين وعادة ما يتبوؤن الوزارات المركزية الحساسة، وبهذا تنجر الثوابت إلى غيابة الفرعنة التي تزداد كل ما بقيت الثوابت وطال أمدها في السلطة!!
وعادة ما تحاول الثوابت فتح نوافذ حرية الرأي الآخر ولكنها تفتح هذه النوافذ وبيدها جهاز تحكم سرعان ما يتم غلقها عند ظهور أول بادرة، وتمثل هذه النوافذ «أو الطاقات بالبلدي» مجرد إفراج مؤقت ينتهي زماناً ومكاناً يتم تحديده بدقة بواسطة الثوابت!! ومن يحاول أن يخرج من دائرة الانغلاق هذه من داخل المنظومة يحترق والأمثلة كثيرة ومتعددة ومعروفة للقاصي والداني!!
التعديل الوزاري هذه المرة يجب أن يخرج من تلك الدائرة المغلقة، والذي يحدث من حولنا يؤكد ذلك، فما عادت الأمور كما في السابق، وما عادت هناك ما يعرف بالشؤون الداخلية والتي تمنع الآخرين من التدخل، فالذي حدث في مصر يؤكد ذلك، فمصر تعرضت لتدخل مشين في شؤونها الداخلية، بتأييد الانقلاب ودعمه بالأموال التي تجد مصر نفسها في أمس الحاجة إليها!!
والنظام المغلق لا يضع اعتباراً للمؤثرات الخارجية الخطيرة التي من شأنها حدوث الخلافات داخل الوطن والتي تقود إلى حروب أهلية!!
وقد انعسكت سياسة النظام الداخلية المغلقة على سياسته الخارجية التي هي انعكاس للسياسة الداخلية مغلقة أيضاً، وبهذا يتم السودان داخلياً وخارجياً وانغلقت عليه كل الأبواب سواءً في الداخل أو الخارج!!
ولن ينقذ النظام ثوابته أو متغيراته التي عادة ما تعتمد عليها في كل تشكيل وزاري، ولن ينجح هذا كما نجح مع ذلك التلميذ الذي حفظ موضوع المولد!!
قد يظن البعض أن التخلص من الإسلاميين في مصر هو الذي أمطر على مصر المليارات وفي هذا نسبة كبيرة من الخطأ، فمصر مقيدة بما يعرف بكامب ديڤيد التي أعطت لإسرائيل الأمن الذي تنشده، وتخوف أمريكا من الإسلاميين نابع من الخوف على إسرائيل، كما أن علاقات مصر مع إيران لها أثر فيما حدث في مصر، والظن الذي يتقمص البعض أن المساعدات ستنهمر علينا كما انهمرت على مصر ظن في غير مكانه، ولنا فيما حدث لدولة جنوب السودان أسوة، هل انهمرت عليها المعونات التي وعدت بها؟!! الجنوب اليوم في حاجة إلى إغاثة يتعذر نقلها نسبة للحروب بين القبائل!!
وهذا لا يمنع من إبعاد العناصر الفاسدة في الحكم أياً كان اتجاهها إسلامياً كان أم علمانياً ولا أظن أن السودان سيتلقى المعونات كما حدث لمصر، وما تلقته مصر من معونات إنما هو صمام أمان لإسرائيل!!
وأعود للتعديل الوزاري في وسط الواقع الإقليمي والدولي، الذي يحتم التغيير الذي لا يتأثر بما يدور في الإقليم سياسياً على أقل تقدير، والتغيير المطلوب أولاً وأخيراً يجب أن يكون في صالح المواطن وأي تركيبة سياسة مغلقة كانت أم منفتحة على غرار ما يجري حولنا فهي تمثل خطورة كبرى على بقاء السودان موحداً!!
كذلك كان المقترح لتشكيل حكومات كفاءات «تكنوقراط» تفتح مجال الاستثمارات في الزراعة والنقل وحصاد المياه والمراعي هي التي ستنتشل السودان من كبوته الاقتصادية التي ظل يعاني منها طوال ربع قرن مضى!!
وكفى السودان سنيناً عجافاً تضاعفت مثنى وثلاث ورباع!!
يس عمر الإمام في ضيافة الرحمن..

الدموع فارقت المآقي وانهمرت انهاراً تبكي فراق عزيز لديها، والعزاء الوحيد أن ذلك العزيز فارقنا ليضمه الرحمن إليه ضيفاً عزيزاً بإذن الله!!
من في أرجاء هذه الدنيا لم يبك يسيناً، مسلمو السودان أم الصومال أم أفغانستان أم البوسنة أم العراق أم فلسطين أم مصر أم كشمير أم الباكستان؟
ليدع المدعون العلم والأدبا.. فقد تغيب «يس» واحتجبا
ولينتسب أدعياء الفضل كيف قضت .. آراءهم إذ قضى من يحفظ النسبا
وليفخر اليوم قوم باليراع، ولا.. خوف عليهم فمن يخشونه ذهبا
وليرق من شاء أعواد المنابر إذ.. مات الذي يتقيه كل من خطبا
طود من الفضل بعد الرسوخ هوى.. وكوكب بعد أن أبدى الهدى غربا
أجل فقد مات يس واأسفا.. وأوحش السودان من «يس» فواحربا
فكل نفس لعلياه شكت وبكت.. وكل فكر بـ «يس» ماج واضطربا
قضى الحياة ونصر الحق ديدنه.. لا ينثني عنه رهبا ولا رعبا
سارت جنازته والجود في جزع.. والفضل يندبه في ضمن من ندبا
اللهم إن عبدك يس حل عليك ضيفاً في أحب الأشهر إليك وفي يوم الإثنين يوم ولد خير من خلقت في هذه الدنيا، والكل يشهد على ما قدم للإسلام والمسلمين في كل بقاع الأرض تقبله اللهم بين الشهداء والصديقين، أكرمه اللهم بضيافتك التي لا تضاهيها ضيافة والحقه بأحبابك الذين جاهد طوال حياته كي يلتحق بهم محمد وصحبه.
«إنا لله وإنا إليه راجعون» د. هاشم حسين بابكر-الانتباهة