الطاهر ساتي

الحب يشرق من هنا.. وكذلك التنمية ..!!

[JUSTIFY]
الحب يشرق من هنا.. وكذلك التنمية ..!!

**السابعة مساء الجمعة، بمطار بورتسودان..زحام غير مزعج وكثافة بلا صخب، حتى الأطفال لا ترى في وجوههم غير البراءة الضاحكة التي تتحدى الطقس البارد..ذاك الزحام أعاد ذاكرتي الى إحدى سنوات نيفاشا، فالبترول كان ينعش بعض الحياة وكذلك سيول -وسيولة -المستثمرين، ولم تكن الدولار والريال والإسترليني عزيزات كما قيمتهن اليوم، وكان بمطار الخرطوم زحاما وكثافة لاتسمع فيها صخبا، وإذ بالدكتور توبي مادوت يهمس لي مبتسما: (زحمة الناس في المطار ده دليل عافية يا ساتي، ماتزهج).. نعم الخرطوم كانت بعافية عامئذ، ولكن لم تجد حسن الإدارة بحيث تسمو تلك العافية أو تبقى كما هي بكل تفاصيلها، والتى منها حال أولئك العزيزات، الدولار وشقيقاتها .. بمطار بورتسودان، تذكرت أحد معايير الدكتور مادوت للعافية، وقلت لمن حولي: (الحمد لله، البحر الأحمر بعافية)، ولم أجد من أكمل له القول بنصيحة (ماتزهج)، فالكل كان منتشيا ..!!
** ما بين المطار ومنزل شقيقي (25 كيلو)..قبل عام ونيف، كان الطريق مسارا، وإذ به صار بمسارين وإضاءة.. وإعلانات لاتروج فيها الشركات عن أنشطتها وتجارتها فقط، بل تحتفي برعايتها لمهرجان السياحة أيضا، بكل ما فيه من تفاصيل..لوحات تحتفي بعلم السودان، وأخرى بالرئيس والوالي، ولوحات تكافح المخدرات وختان الإناث وأخرى تذكر الناس بالفضائل والقيم ..ثم لوحات بذات الوضوح تحتفي بسيدي دوشكا وجمال مصطفى وندى القلعة ومحمد النصري وإيمان لندن وكل من قدم أو سيقدم لحنا في ليالي الشتاء الباسمة..لم تدهشني اللوحات وما بينها من مفارقات، إذ هكذا الحياة السوية، بحيث توفر فيما توفر (حرية اللوحة في حق التعبير والإقناع)..وللناس عقول وضمائر ولكل إمرئ ما نوى وما كسب..ولذلك، لا يزعجهم قانون ولا هم يزعجون قانونا، وبهذا جسدوا بأن الناس والقانون سواسية في احترام (حياة الخير والحب والجمال والوئام)، أو هكذا ملامح الحياة في البحر الأحمر كما تعكسها تلك اللوحات..!!
** قبيل الثامنة بدقائق، إذ بذاك الزحام ذاته يتكاثف على شاطئ البحر.. والشاطئ كما النهار ضياءً، وأحدهم – في العقد الثالث من عمره – يجتهد في شق الزحام بعربة الأيسكريم، يميزه الزي البجاوي الأنيق ومع ذلك يتحدى المدينة وتمدنها ويتمسك بالأصالة غارسا الخلال في الشعر الكثيف ليبدو أكثر تميزا واعتزازا، وأسأله: (الآسكريم بكم؟)، فيرد على السؤال بسؤال: (يعني إنت ماعارف؟)، وقبل أن تكتمل الضحكة يستطرد مجيبا:(كان بجنيه لكن هسة تلاتة جنيه، ولو ماعندك برضو نديك)، هكذا البحر الأحمر وأهله، فالشاب لا يدرك بأنه – بتلك الردود- يفتح لي كتابا جميلا أقلب صفحاته مستمتعا بمحتواها.. فالحكومة لم تضخم ذاتها ولم ترهل أجهزتها ومؤسساتها لتوفر لذاك الشاب وظيفة وراتب، ولكنها وفرت مناخا جاء بذاك الزحام الجميل الى حيث عربته، ليمارس سياسة التحرير كما يشاء – وحسب الطلب والإقبال – في سعر أيسكريمه (كان بجنيه، لكن هسة تلاتة)، ودون أن ينسى أو يتناسى مقام الضيوف في إرث أهل السودان (ولو ما عندك برضو نديك)..!!
**كم أسرة تتكسب حلالا من هذا الزحام، كما حال أسرة هذا الشاب ؟..هكذا أحاور نفسي وشقيقي وبعض أصدقائي، ليس على الشواطئ الممتدة فحسب، بل حين نمر بالفنادق أيضا والعمارات والمركبات والأسواق والمقاهي والمطاعم والمحلات التجارية وباعة الأرصفة، وغيرها من أمكنة زحام المهرجان..كل تلك الأمكنة ذات الزحام ما هي إلا وظائف ومصادر رزق للملايين، جاد بها مناخ الإدارة بالبحر الأحمر، بلا أي ضجيج إعلامي أو ادعاء هلامي من شاكلة (اللجنة العليا لإهدار المال وخداع العاطل)..فالحكومة غير مطالبة بتشغيل الناس يا عالم، ولكنها فقط مطالبة بتوفير مناخ يفيض أشغالا ويمطر وظائفا ويحرك برك البذل الساكنة وسواعد العطاء المعطلة.. وبصراحة كدة، وبكل أمانة، هي دعوة لكل الولاة ليتعلموا من نهج والي البحر الأحمر معنى التنمية، (بالذات البشرية).. إذ مهرجان السياحة الذي يجمع الأهل من كل أرجاء الوطن، بمختلف ثقافاتهم وتراثهم وأموالهم- على أرض البحر الأحمر، طوال الأربعة أشهر- ليس محض مطرب يغني أو شاعر ينشد أو كورنيش مضيء ، أوكما يظن بعض قصار النظر والفهم، بل أثره في حياة أهل البحر الأحمر أسمى من ذلك بكثير.. ولكن أكثر الولاة لا يعلمون ذلك ، ولذلك كانت ولا تزال التنمية البشرية عندهم محض شعار أو سمنار..[/JUSTIFY]

إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]