تلاميذ المدارس .. حكاية مدخنين صغار ..!!
هم تلاميذ صغار سحرهم (دخان السجائر)، فانساقت أقدامهم لهثا وراء جرة (نفس) من سيجارة واحدة تتقاسمها أفواههم في الخفاء ، فيصبحون (مدخنين صغار) ، فالمزاج غير المعتدل لتلاميذ مرحلة الثانوي ، خلف ظاهرة تعد بمثابة باب للولوج لظاهرة أخرى أشد خطورةً من سابقتها ألا وهي (الإدمان) الذي يعد حجر عثرة في بناء خط مستقيم للشباب.. (خالد) تلميذ عمره (14) سنة يدرس في الصف الثاني – ثانوي ، كانت أسرته تظن أنه لا يزال طفلا، فتعامله على هذا الأساس دون أن تدري أن الصغير الذي لم تطل قامته ، قد كبرت تجاربه الجريئة ، وصار مدخن (درجة أولى) ، فهو يعود إلى المنزل في وقت متأخر من ساعات المساء الأولى أي بعد أن تنتهي رائحة التبغ من فمه ، وتكون حجة التأخير المعتادة حضوره لحصص إضافية مع أصدقائه في المدرسة .. عندما مضى العام الدراسي منتصفه ، طلبت إدارة المدرسة من التلميذ إحضار ولي أمره ولكنه لم يفعل ، حتى لجأت إدارة المدرسة إلى إخطار الأسرة عبر أحد رفقائه ، وعندما حضر والده تفاجأ بمستوى ابنه الأكاديمى ، وغيابه المتكرر من المدرسة وضبطه يدخن مع (شلة) تحوم حولها الشبهات ، خرج الأب مصدوماً ورأسه مثقلاً بالتفكير في صغيره الذي أصبح مدخناً وكيف له أن يرده إلى صوابه .. قصة (خالد) لم تكن حالة فريدة في المجتمع السوداني لأنّ القصص والحكايات من شارع مدارس الثانويات توضح ملامح الظاهرة بوضوح، وتضعنا أمام واقع (المدخنين الصغار) .. بدورنا وضعنا المسألة برمتها في طاولة د. نصر الدين أحمد ادريس رئيس قسم علم النفس بجامعة أفريقيا العالمية فبدأ توضيح القضية من منظور علم النفس قائلاً: بخصوص ظاهرة تدخين الصغار (التلاميذ) فإنّ علم النفس ينظر إليها من عدة زوايا (مركبة) أهمها مسألة اكتساب القيم والتي تتم من خلال التنشئة الاجتماعية والتربية وبالتالي فإنّ التدخين هو عادة سلوكية سالبة، وبالتالي الإنسان في حياته من خلال مراحله العمرية المختلفة يكتسب العادات السلوكية الإيجابية والسالبة، وحتى هذه العادات تتباين في خطورتها حسب نوع العادة، والتدخين الذي نحن بصدده هو عادة سيئة ومزدوجة فالازدواجية تظهر من خلال الأضرار الصحية الخطيرة وكذلك من خلال المبالغ المالية المهدرة .. أما فيما يختص بمسألة التنشئة والتربية فيجب القول اولاً إن هنالك خللاً ومشكلة في إطار القيم وذلك بالفشل الواضح من قبل الأسر في عدم النجاح في الخروج بالطفل أو الشاب لبر الأمان وبالتالي فهذه القضية تربوية تعود إلى الأسرة الصغيرة اولاً في فشلها على التنشئة والتربية السليمة وضعفها في إدارة وإشباع الحاجات الأساسية وهي تتنوع منها النفسية والاجتماعية والمعرفية وغيرها ، ويرى نصر الدين أن ذلك الفشل يؤدي إلى اختلال في حلقة من حلقات التنشئة الاجتماعية ربما يتعلق بالرفاق واختيار الصحبة . مسألة أخرى تتعلق بالخصائص العمرية لهؤلاء الأبناء ، فغالباً ما يكونوا على أعتاب مرحلة المراهقة وبالتالي نجد أن لتلك المرحلة احتياجات أساسية لا سيما في الإطار الاجتماعي فربما تكون هنالك مشـكلة من قبل الأسرة في إدارة مسألة المراهقة وبالتالي يفشل الابن في إيجاد الدفء والحنان من قبل الأسرة فيبحث عنه في الخارج متخبطاً دونما رؤية واضحة وتعد هذه القضية إضافة خطيرة .. ويذهب في قوله إلى أن وجود الطلاب التلاميذ في هذه المرحلة دون ترتيبات أسرية فعالة يحدث ضغطاً عظيماً على المدرسة مما يضعنا ذلك أمام سؤال مهم هو : هل المدرسة لديها الجاهزية للتعامل مع هذه الحالات ، من (مراهقة ـ لظواهر سالبة) وذلك لأنه عبء إضافي على المدرسة لأن في ذلك الوسط مسألة النموذج والتقليد هي العامل الرئيسي لانتشار ظاهرة التدخين وسط الصغار، لذ يجب أن تكون هنالك مسائل مهمة تعمل فى إطار المدرسة وفي محيط الأسرة فضلاً عن إجراءات رسمية تقوم بها المؤسسة التي تُعنى بمكافحة المخدرات خاصة إذا ما تأكد أن هنالك تعاطٍ للمخدرات، لأن تلك القضية أكبر من مسألة التدخين فقط .. من هذا المفهوم نحتاج إلى إدارة متخصصة في هذا الوسط ، وللجهود المجتمعية وأكثر حوجتنا تتعلق بتفعيل مخرجات ، مؤتمر التعليم المنعقد اخيراً في جزئيته بأن يكون لوجود اختصاصي نفسي في المدارس ، ووجود إدارة للإرشاد النفسي في مرحلة الأساس ذات أهداف قصوى حتى نعطي هذه الظاهرة حجمها.
صحيفة الرأي العام
سلمى سلامة