رأي ومقالات

د. سلافا العاقب : في بيتنا زول عجوز!

لكبير السنّ مكانته المتميزة في المجتمع المسلم ، فهو يتعامل معه بكل توقير واحترام ، يحدوه في ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقّر كبيرنا”، ويظهر ذلك التوقير والاحترام في العديد من الممارسات العملية في حياة المجتمع المسلم ، وجميع هذه الممارسات لها أصل شرعي ، بل فيها حث وتوجيه نبوي فضلاً عن ممارساته صلى الله عليه وسلم مع المسنِّين وتوجيه أصحابه نحو العناية بالمسنِّين ، وتوقيرهم واحترامهم وتقديمهم في أمور كثيرة ، ففي إلقاء السلام أمر صلى الله عليه وسلم أن “يسلم الصغير على الكبير”، وأن يبدأ الصغير بالتحية ويلقيها على الكبير احتراماً وتقديراً له .
ولقد أمر صلى الله عليه وسلم أن يبدأ بتقديم الشرب للأكابر ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سقى قال: “أبدؤا بالكبراء أو قال : بالأكابر”، ولقد مارس ذلك صلى الله عليه وسلم عملياً، تقول عائشة رضي الله عنها: “كان يستن وعنده رجلان فأوحى إليه: أن اعط السواك الأكبر”.
ولقد تطبّع أفراد المجتمع المسلم بذلك الخلق وتوارثوا توقير الكبير واحترامه وتقديره انقيادا لتعاليم دينهم، واتباعاً لسنة رسولهم صلى الله عليه وسلم، فكان الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – من أشد الناس توقيراً لإخوانه، ولمن هو أسن منه ، فيروى عند المروزي أنه جاءه أبو همام راكباً على حماره ، فأخذ له الإمام أحمد بالركاب . وقال المروزي : رأيته فعل هذا بمن هو أسن منه من الشيوخ.
إذاً فكبير السن في المجتمع المسلم يعيش في كنف أفراده ، ويجد له معاملة خاصة تتميز عن الآخرين ، ولم تقتصر هذه الرعاية على المسن المسلم ، بل امتدت يد الرعاية لتشمل غير المسلم طالما أنه يعيش بين ظهراني المسلمين.
ان الانسان عندما يتقدم به العمر تطرأ عليه تغيرات فسيولوجية ظاهرة ولهذا فان جميع انسجة الجسم تتأثر كلما تقدم الانسان فى العمر تطرأ عليه تغيرات فسيولجية ظاهرة ولهذا فان جميع انسجة الجسم تتأثر كلما تقدم الانسان فى العمر كما تتأثر بتعرضه لمختلف ضعوط الحياة وظروفه البيئية سواء من حيث كونها ضغوطا صعبة او قاسية او ماتحتويه بعض الأطعمة من سموم كيميائية او غير كيميائية فهذه الاشياء مجتمعة او متفرقة تؤثرعلى قوة الخلايا وحيوتها وتجددها ومن ثم يجب الالتفات الى عدة امور يأتى على رأسها الغذاء فالغذاء له تأثير مهم حيث يعجل بظروف الشيخوخة او يؤخرها فقد ثبت علميا ان الانسان اذا ما تناول غذاء متوازنا محتويا على كل العناصر الضرورية فان ذلك يساعد خلاياه على التجدد وخصوصا ما تناول الفيتامينات والعناصر النادرة التى توجد فى اغذية معينة مثل فيتامينات “س.و.ج وأيضا ذلك التى توجد بزيوت الاسماك.

ايضا فان الجهاز العصبى الذى يلعب دورا مهما فى حياة الانسان باعتباره مسؤولا عن الذاكرة والكلام والتوافق العضلى والتفكير فانه يتأثر بتقدم العمر ومن عجائب الخالق سبحانه وتعالى ان كبار السن دائما ما يتذكرون ماضيهم البعيد منذ ايام الطفولة والصبا حيث ان ذكرياتهم الحديثة تصبح فى طى النسيان اما الجهاز الهضمى والقلب فان المسن تقل لديه الرغبة فى الطعام وتنقص لديه الرغبة فى الطعام وتنقص لديه الشهية كما تقل القدره على هضم المواد الدسمة.

ان قلب المسن وجهازه الدورى يتأثران بصفة عامة فتصاب عضلة القلب بالضعف نظرا لقلة حركته مما يؤدى به للاصابة بمرض تصلب الشرايين والذى بدوره يؤدى الى ارتفاع ضغط الدم ثم يحدث قصور بالدورة التاجية وفى النهاية امكانية حدوث جلطة فى داخل الشرايين سواء بالمخ او القلب و السؤال الذى يتبادر للذهن ماهى علاقة الأمراض العضوية بالأمراض النفسية بالنسبة للمسنين؟

يجيب عن هذا الدكتور محمود عبد الرحمن حموده استاذ الأمراض العصبية بطب الأزهر ـ فيقول اتفق العلماء والأطباء على ان هناك امراضا عضوية يرجع السبب فى اصابة الانسان بها الى العوامل النفسية وعلى رأسها الاكتئاب والقلق.. ولذلك أطلق عليها الأطباء الأمراض “النفس جسمية” لأن النفس تمرض اولا ثم ينعكس ذلك على أعضاء الجسم ومن ثم فان المسنين يحتاجون الى رعاية ومعاملة خاصة شديدة الدفْ والحنان..

ويلاحظ ان حاسة السمع لدى المسن تقل ويضعف بصره ولمسه وشمه وتذوقه ولأن هذه الحواس هى مداخل الادراك للبيئة المحيطة فان تفاعل المسن مع بيئته يقل تبعا لذلك بل ان قصور الحواس فى اداء وظائفها يؤدى الى ما يسمى اخطاء الادراك حيث يخطىء المسن فى تفهم من حوله.

وفيما يتعلق بالجهاز العصبى للمسن فان نشاط هذا الجهاز يضعف تدريجيا وتبطء استجاباته ومنعكساته العصبية ويؤدى الى اصابته ببطء فى التفكير وخلل بالذاكرة ونقص الحماس وزيادة الحذر وغفوات من النوم اثناء النهار وبصورة عامة قلة الأداء العقلى ونقص الذكاء.

ان معاملة المسن نفسيا تتوقف على مدى فهمنا لتلك المتغيرات السابقة بشكل يؤهلنا للتعامل معها فالمسن اصبح ضعيفا يحتاج الى المساندة من جميع كل من حوله ليشعر بالقوة لأن شعوره بالضعف يفقده الثقة بالنفس ويفقده شعوره بالامان فى حين ان المساندة الاجتماعية تحقق له قوته.

كثيرا من كبار السن يعتقدون ان اضطرابات النوم شىء حتمى الحصول كلما تقدم العمر بهم وبالتالى فانهم غالبا لا يذكرون هذا الأمر للطبيب المعالج وهذا من الأمور الخاطئة حيث ان اضطرابات النوم غالبا ما تؤثر على صحتهم الجسدية والعقلية وان الدراسات اثبتت ان عدم اخذ المسن كفايته من النوم يؤدى الى بطء اداء وظائف الجسم الحيوية وتصبح هناك احتمالات للاصابة باضطرابات القلب والدورة الدموية، واضافت ان كثرة الشعور بالنعاس اثناء النهار هو أفضل مؤشر على تدنى المستوى الصحى للمسن حيث اشارت العديد من الدراسات ان نسبة معاناة كبار السن من اضطربات النوم ولتفادى هذا الأرق الذى تنجم عنه قلة النوم انه يجب على المحيطين بالمسن المحافظة على جدول المواعيد ثابتة للنوم مع تجنب النوم فى اوقات النهار مع ضرورة الاكثار من تعرض المسن للضوء اثناء النهار واوائل المساء لآن ذلك سيساعد عند اطفاء الأنوار اثناء الليل على سهولة النوم والحفاظ على الاستحمام بالماتد الدافىء قبل ساعتين من موعد النوم وتجنب ابتعاده على الكافيين كالشاى او القهوة او بعض الأدوية المسكنة للألم، وخصوصا فى المساء وضرورة تقليل تقديم السوائل حتى لا تثير الرغبة لديه فى تكرار التبول اثناء الليل وجعل آخر وجبة يتناولها قبل ساعتين من موعد النوم مع تهيئة غرفة النوم فقط.

ينصح اطباء التغذية بضرورة اختيار اطعمة معينة للمسنين وهى تلك التى تحتوى على فيتامين “ث” الذى يعمل على دعم الجهاز المناعى وله دور فى محاربة الشيخوخة ويتوافر فى الجوافة والبقدونس كذلك فيتامين “بيتا ـ كاروتين” وهو مضاد للسرطان ومقاوم للشيخوخة وصديق وفى للجهاز المناعى والقلب والأوعية الدموية والعين وهو موجود بكثرة فى الخضروات والفواكه الصفراء اللون وكذلك فيتامن “ايه” ويحتل هذا الفيتامين مرتبة مهمة فى سلم الاكسدة وهذا يسهم بصفة عامة فى ابعاد الاصابة بشبح الامراض القلبية الوعائية ويتوافر هذا الفيتامين بزيت الذرة وزيت الصويا واخيرا يصف الدكتور رشاد علاجا لهؤلاء المسنين بالالتزام بالتحلى بالصبر وعدم مجافاتهم والتعامل معهم كأطفال كبار ورعايتهم رعاية اسرية دافئة واشعارهم بالحنان حتى يستشعروا اهميتم وانهم مازالو محط اهتمام الأسرة.

يظهر على الإنسان بعد سن الخمسين من عمره؛ تغيرات جسمية ونفسية كثيرة، فالحواس يضعف أداؤها، والأعضاء يظهر عليها الترهل والسمنة، أو الذبول والوهن، كما تضعف الذاكرة، وتقل الشهية للطعام والنوم، وتضعف الطاقة والحيوية بصورة عامة.

أيضاً يظهر على المسنين مظاهر الغيرة والأنانية، ومحاولة الاستئثار بالاهتمام ولفت الانتباه، والحرص الشديد على الممتلكات الشخصية، مهما كانت قيمتها،
كما نلمس في غالب المسنين؛ وجود شعور ذاتي لديهم، بعدم القيمة من وجودهم، وأن الآخرين لا يقبلونهم، ولا يرغبون في وجودهم، نتيجة انشغال الأولاد عنهم، أو نتيجة موت الزوج، أو تقدم العمر، أو المرض، كما قد يشعر البعض بعدم جدواه في هذه الدنيا، فتجده يذكر الموت بين فترة وأخرى، وكأنه ينتظر الأجل المحتوم. كما نجد كذلك أن المسنين يعانون من مشكلات اقتصادية، وذلك يرجع إلى نقص في الموارد المالية، نتيجة لتقاعدهم إجبارياً أو اختيارياً،

لهذا لابد لكل فرد منا؛ أن يتفهم حاجات كبار السن، ومطالب مرحلتهم العمرية، وأن يتفهم مشاعرهم وسلوكياتهم، وأن يدرك الأساليب المفيدة في رعايتهم، والتعامل معهم.

يحتاج كبار السن إلى توفير أجواء من الحب والدعم والتعاطف والمساندة النفسية، حتى نعينهم على التكيف مع أوضاعهم، وأن نشعرهم بقيمتهم في الحياة. المسنون يحلو لهم الحديث عن الماضي والذكريات القديمة، لهذا يجب الإنصات لهم باهتمام،
وتحفيزهم على إخراج ما عندهم من سيل الذكريات، والتعبير عما يجيش في خواطرهم، وهذا مما يخفف من حدة القلق والضيق الذي يجدونه. أيضاً ينبغي مساعدتهم في المحافظة على صحتهم النفسية، وذلك من خلال الإشادة بما قاموا به في الماضي من أعمال إيجابية، والتحدث عن إنجازاتهم؛ خاصة تلك التي تشعرهم بالرضا والفخر والاعتزاز، وتساعدهم في توضيح أدوارهم، ومسؤولياتهم الأسرية والمجتمعية.

كما يجب إعانتهم على أداء العبادات، وفعل الطاعات، وتذكيرهم برحمة الله وعفوه وغفرانه، وما أعدّه الخالق جلّ جلاله لعباده الصالحين، من نعيم لا ينفد؛ حتى تطمئن أنفسهم، وتنشرح صدورهم، وتستقيم أفكارهم.

د. سلافا العاقب أحمد
” كيف الصحة ”
ماجستير صحة عامة وصحة مناطق حارة
[email]drsolafa2011@hotmail.com[/email]