جعفر عباس

الغباء وباء عام في القطاع العام

الغباء وباء عام في القطاع العام
يخيل إليّ ان أجهزة الدولة ما اخترعت الا لبهدلة خلق الله، ولم يحدث ان دخلت مكتبا حكوميا لقضاء حاجة، إلا وخرجت منه وانا اتشكك في سلامة موظفيه العقلية، واكاد اجزم بأن العمل الديواني الرسمي يؤدي إلى الاصابة بالسادية، وهي الرغبة في تعذيب الآخرين، وبالإمساك الفكري، لان الموظف الحكومي غير مطالب بالتفكير، وعليه ان يحترم اللوائح اكثر من احترامه للناس: تضيع منك رخصة قيادة السيارة فتطلب استخراج بدل فاقد فيطلبون منك قسيمة زواج رغم انه من حق الأعزب والمطلق والأرمل ان يقود سيارة، واذا أحضرت قسيمة الزواج طلبوا منك شهادة عدم ممانعة من تويوتا او نيسان او فورد، أي الجهة التي صنعت سيارتك، (ياما تبهدلت في الخرطوم في السبعينيات، فقد كانت عندي سيارة مجهولة الهوية، ولم اكن اعرف نوعها او موديلها او تاريخ صنعها من فرط تعرضها للسمكرة والضرب بالمطارق لإعادة تأهيلها، وبالتالي لم يكن ممكنا ترخيصها، وكنت أقودها بلا أوراق تثبت كوني مالكها أو أصلها وفصلها، ولما زهجت منها عرضتها للبيع ولم أجد غبيا يقبل شراءها، فتركتها قرب شاطئ النيل فجاء الفيضان وجرفها فراحت غير مأسوف عليها) اما استخراج شهادة ميلاد طفلك الجديد فتعرضك للطعن في شرفك: هات إثبات بأنك ابو الطفل..فتعطيهم قسيمة الزواج فيقولون: هات ثلاثة شهود يؤكدون صحة الزواج فتأتي بالشهود الثلاثة فيطلبون شاهدين يثبتان أن الشهود الثلاثة عدول..وبعد إبراز كل المستندات يطلبون منك تحديد اسم المولود فتقول لهم ان اسمه مثبت في طلب استخراج الشهادة فيصيحون في وجهك: عنتر؟ هذا اسم جاهلي لا يمكن ان نسمح به.. وهناك صاحبنا الذي اتصل بالاسعاف وصاح في صوت متهدج: زوجتي حامل وقد جاءها المخاض الحقونا الله يخليكم، فسأله متلقي المكالمة: هل هذا طفلها الأول؟ فرد عليه الرجل: لا.. أنا زوجها (مما يؤكد ان هذا الزوج أيضا موظف حكومي)!
ولكنني اليوم بصدد إثبات ان الغباء في التعامل مع الجمهور او تسيير العمل ليس وقفا على أجهزة الدولة، فشركة (ايه تي آند تي) العملاقة للاتصالات قامت بإنهاء خدمات رئيسها جون والتر بزعم انه يفتقر إلى روح القيادة الذكية ومنحته نظير التفنيش 26 مليون دولار! فمن الذي يفتقر إلى الذكاء؟ والتر أم الذين فنّشوه؟ إذا كان عدم الكفاءة يعود على الإنسان بـ 26 مليون فـ«طز» في الكفاءة (أحاول الإبقاء على كلمة طز القذافية حية لبعض الوقت)، ولكن لا عزاء للعاملين في أجهزة الدولة فقد «فشّلهم» زملاؤهم في شرطة اوكلاند بولاية كاليفورنيا الأمريكية عندما حاصروا بيتا طوال ست ساعات مطالبين صاحبه المتحصن بداخله مدججا بالسلاح ان يخرج إليهم مستسلما، ثم أطلقوا على البيت عدة قنابل مسيلة للدموع، واكتشفوا في خاتمة المطاف ان الرجل «المطلوب للعدالة» نفسه ظل واقفا معهم طوال تلك المدة وهو يصيح: سلم نفسك احسن لك!! والإنسان الذي يعمل لحساب نفسه هو الأكثر ذكاء، ففي توبيكا بولاية كنساس اقتحم رجل مسلح متجرا واكتشف ان بالخزانة مبلغا زهيدا فما كان منه الا ان وقف مع البائعين طوال ثلاث ساعات ملبيا طلبات الزبائن حتى امتلأت الخزينة بالمال وامتلأ المحل بالشرطة!
وليس كل من يعملون لحساب أنفسهم على تلك الدرجة من الذكاء، فخلال حادث سطو مسلح خاطب اللص الملثم صاحب المحل بقوله: «اعطني كل ما في الخزانة من نقود وإلا فأنت ميت»، وبعد القبض على المشتبه فيهم أوقفتهم الشرطة في طابور، وجاءت بصاحب المحل ليتعرف على اللص من صوته، وطلبت من كل واحد في الطابور ان يقول: هات كل الفلوس وإلا سأطلق النار وجاء الدور على أحدهم فصاح: العبارة التي قلتها مختلفة!!

جعفر عباس
[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]

تعليق واحد