جعفر عباس

المخترعات الحديثة والهنود الحمر

المخترعات الحديثة والهنود الحمر
أعتقد ان أهم اختراع عرفته البشرية هو الثلاجة، التي يسميها الشوام البراد، بينما البراد عندنا في السودان هو إبريق الشاي، ومكيف الهواء هو ابن عم الثلاجة، ومن ثم فإنه اختراع على درجة عالية من الاهمية، وأستطيع ان أقول بقلب جامد ان بقية الاختراعات لا تهمني في كثير او قليل رغم إدراكي فوائدها، ولعلّي ورثت حب الثلاجات عن والدي الذي كانت هوايته شرب الماء البارد، وكان أبي يحمل معه زاده من الماء حتى لو سافر نصف ساعة في سيارة داخل نفس المدينة، وكان طبيعيا ان يولع بالبطيخ، وكانت أتعس لحظات إجازاتي المدرسية عندما يكتشف والدي في منتصف نهار الصيف، أنه لا يوجد بطيخ في البيت، فيكلفني بالذهاب إلى السوق لشراء بطيخة لا يقل وزنها عن عشرة كيلوجرامات، فأذهب إلى السوق ورجلي فوق رقبتي، وأعود وجسمي قد فقد كمية هائلة من السوائل بسبب الحر.. ويعزى حبي للثلاجة إلى انها أنقذتني من اكل الطعام البائت، وكما انه لا يعرف الشوق إلا من يكابده، ولا الصبابة إلا من يعانيها، فإنه لا يعرف طعم الملوخية البائتة إلا من اكتوى مثلي بأكلها ثلاث مرات متتالية خلال أربع وعشرين ساعة: المرتان الأوليان في الغداء والعشاء والثالثة في الإفطار صبيحة اليوم التالي! أما مكيف الهواء فإنني احسب انه كان من حسن حظ عائلتي ان والدي لم يسمع به، وإلا لرهن نظاراتنا وقمصاننا لشرائه، بل لربما باع نصف بيتنا لتوفير قيمة المكيفات، فقد كان يعتقد ان الهواء البارد والماء البارد هما أهم شيئين في الحياة..وبعدهما بمسافة يأتي الأكل. (وكان أبو أبي الذي هو جدي مولعا باقتناء الحمير القوية الجميلة، وقد باع وقايض مساحات كبيرة من الأراضي نظير حمير، وتوفي تاركا وراءه 11 حمارا).
اما بقية مخترعات العصر فانني أعتقد ان معظمها أسهم في تشويه حياة الناس وتعقيدها، وعدوي الأول هو التلفون، فهذا الجهاز السخيف لا يأتي من ورائه إلا الإزعاج: أوع أكون صحيتك من نومة؟ انظروا سخافة وبلاهة هذا السؤال؟ وهل من الوارد أن تكون قد صحيتني من وجبة؟ والتلفون أداة لتوصيل الأوامر للعكننة على صغار الموظفين، والتلفون مسؤول عن فشل عيالنا في المدارس، بل وجنوحهم وانحرافهم بعد ان قيل لهم ان التلفون هو أصلا أداة حب ومغازلة، وقد نجحت حينا من الدهر في إفشال كل مخططات زوجتي لإرغامي على اقتناء الهاتف الجوال ليتسنى لها رصد تحركاتي المريبة على مدار الساعة، وحتى بعد أن اقتنيته كنت أتسلح بالجوال مؤقتا خلال السفر إلى ما وراء الحدود، ثم صار مثل النظارة يلازمني حتى في السرير! والسيارة ليست اقل سخفا من التلفون لانها علّمت الناس العجلة، فرغم أننا أمة همّها فاضٍ، وبالها رائق، و«ما وراها شيء»، فإننا نزود سياراتنا بمحركات صواريخ وننطلق بها إلى اللامكان، محطمين الإشارات والقوانين والأرواح.. اما التلفزيون فانني طالباني النظرة تجاهه أي من أنصار تحطيم أجهزة التلفزيون، وخاصة تلك التي تلتقط القنوات العربية، في ميادين عامة، او قصر استخدامها على السجناء كجزء من برنامج تعذيب وتهذيب المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة.
ولكي تعرف أضرار معظم الاكتشافات والمخترعات الحديثة ادرس تاريخ امريكا، فقبل هجرة الأوروبيين اليها، كان الهنود الحمر يعيشون بلا ضرائب ولا جرائم ولا ديون، والاسماك والحيوانات البرية متوافرة والنساء يقمن بمعظم الأعمال ولا يطالبن بالمساواة مع الرجل، وزيارة الطبيب ببلاش، ثم جاء الرجل الأبيض وقال للهنود: أتينا لتطوير وتحسين مستوى الحياة في هذه البلاد.. وقد كان: هيروين وايدز ومسدسات في المدارس، ورئيس يحوّل مكتبه إلى مبغى، وصناعات تعبث بأرواح البشر،.. وانقرض الهنود الحمر والدور على العرب!!

جعفر عباس
[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]