لماذا الكوارث ؟
إن كل ما بالعالم من كوارث وأزمات ومحن وحروب ومجاعات ينبع من أصل واحد هو أزمة الضمير الإنساني وما أصابه ،، إن السماء لن تجود بالماء ولا الأرض بالحياة وأبناؤها يسفحون عليها الدم بغيا وجورا على بعضهم البعض ،فخالق الأرض وما تثمر من غلات هو الله وهو وحده الذي بيده مرفق المياه الذي ينساب من السماء كما أن بيده تغوير المياه الجوفية التي تخرج من الأرض وهو قد جعل الإجتهاد سببا في الرزق كما جعل الطاعة والتقوى والمحبة مؤهلات أكبر خطرا ،،ولا شك أن الشرور والمحن التي تغرق الأرض يواكبها على الناحية الأخرى موجات الكفر والشرك والوثنية والتدهور الخلقي وتفكك الأسرة وطغيان الظلم ،وغلبة الشهوات المادية على كل القيم والإعتبارات ،حتى في البلاد التي عرفت بتراثها العريق في الدين والتدين، نجد أن هذ التدين قد إنحسر الآن إلى مجرد شكليات دينية في حين انحرف السلوك إلى مادية مسرفة وراح الكل يتسابق إلى الكسب المادي والثراء العاجل على حساب جميع القيم الدينية ،، إن الخير حتى الخير البحت الذي ينبع من الضمير لا يوزع بضمير ويظل المبدأ هو نفس المبدأ، أنا آكل وخصمي في الرأي يموت ،، ماذا تتوقع في عالم كهذا؟ إن ما يجري داخل الأسرة وداخل الوطن من مظالم يظهر مكبرا على مساحة العالم كله ثم يعود فيظهر مترجما في أحداث وأزمات وحروب ومحن وأوبئة ومجاعات ،، بل إن ما يجري في ضمير الفرد من صراع وما تسكن رأسه من خواطر وما تتنازعه من رغبات هو المفتاح للمشكلة كلها ،،وإذا كان البحر تلوث، فقد تلوث بنا نحن وبما أفرزناه فيه ، إن فضلات أفكارنا ورغباتنا هي التي صنعت كل هذا ،،سمعت الرجل يلوم زوجته ويلقي على رأسها وعلى النساء أجمعين ما بالعالم من بؤس ،، فهي لا ترضى ولا تشبع ولا تكف عن الطلب ،وهو الآخر لا هامش لديه للخضوع والرضوخ والضعف والإستكانة ،، فهو ملوم لضعفه بمثل ماهي ملومة لطغيانها ولن تكون الذرية التي ينجبها الإثنان إلا استمرار لهذه العيوب وتضخيما لها مع مرور الوقت ،،وهكذا تتفاقم العيوب بمثل ما تتضاعف الأرقام في متوالية حسابية ،وتتدهور الأجيال ويتدهور النتاج الإنساني فنا وفكرا وسياسة ،ومع الوقت لن يكون التقدم العلمي في مثل هذه المجتمعات حسنة بل عيبا ،لأنه سيضع في يد هؤلاء الضعاف وسيلة دمار كلية يقضون بها على كل شيء وينسفون بها كل ما كسبه أجدادهم من تراث وحضارة وما بنوه وما شيدوه بعرقهم ودمائهم ،،إن العلم سوف يسلِّح الحماقة ،،قديما قال سيدنا عمر بن الخطاب:” لو عَثَرَتْ دابَّة في العراق لرأيتُ نفسي مسئولا عما حدث لها” وهي قولة حق ،فما يجري في أي مجتمع هو محصلة أفعال أفراده وكل منهم مسئول بحسب مكانه تصاعديا من القاعدة إلى القمة،، إن ما يحدث لنا هو نحن وكل واحد لا يقابل في الطريق إلا نفسه ،المجرم تتسابق إليه مناسبات الإجرام والفاضل الخير تتسابق إليه مناسبات الخير والعطاء ،،وبمثل ما تجود أيدينا تجود أرضنا وتجود سماؤنا لأن الذي خلق الكون خلق له القوانين الحافظة التي يزدهر بها طالما كان ناميا ،والقوانين الهادمة له إذا دب فيه الفساد ونخر فيه السوس ،،وبنية المجتمع مثل بنية الجسم هي في نماء وإزدهار طالما غلبت فيها عوامل الإنسجام والنظام والصحة فإذا غلب الإضطراب والفوضى والمرض تداعت إلى تراب،، فلا تلوموا القدر ولا تحتجوا على السماء ولا تقولوا ظلمنا ربنا بهذه الكوارث ،بل قولوا ظلمنا أنفسنا ،ولينظر كل منا ماذا يفعل في دولة نفسه وإلى أي جانب من رغباته ينحاز، إلى لذاته العاجلة وإلى منفعته الذاتية أم إلى نجدة المحروم ونصرة الضعيف ؟،، إلى الأصنام المادية يتوجه أم إلى القيم، أم إلى رب القيم ،ثم لينظر ماذا يفعل لا ماذا يقول ،وماذا يخفي لا ماذا يعلن ،وحينئذ سيعرف الجواب على سؤاله ،لماذا كل هذه الكوارث ،، هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]