تحقيقات وتقارير

صور من الفساد المحمي بالقانون

[JUSTIFY]اعترف وزير المالية علي محمود بضعف ولاية وزارة المالية على المال العام، وأرجع الضعف إلى وجود قوانين خاصة تُكبِّل عمل وزارته، وأن هذه القوانين تعلو على القوانين العامة، وقال في اعترافات جريئة في حديث له أمام البرلمان: «ضراعنا قوية جداً، لكن القانون الخاص أقوى مننا»، وطالب البرلمان بالتقصي عن التجاوزات التي تتم بالتعاقدات الخاصة التي كشف عنها المراجع العام في تقريره، وقال إن هذه التعاقدات تجاوزت ترليون جنيه.

إذن، وتأسيساً على الحديث أعلاه هناك إقرار رسمي من وزير المالية بأن وزارته عاجزة عن ضبط المال العام وحمايته من النهب والضياع والاعتداء عليه، ولا تستطيع حمايته من المعتدين على النحو المطلوب، لكن السؤال المهم: هل كان اعتراف وزير المالية علي محمود هو أول اعتراف رسمي من جانب مسؤول كبير ممسك بقلادة المال العام؟! وما هي الإجراءات العملية التي اتخذتها الدولة لتجاوز حالة الفوضى وضياع المال العام على هذا النحو المزري؟ الإجابة عن هذا السؤال تقول: كلا إنها ليست المرة الأولى التي يعترف فيها مسؤول كبير بضعف ولاية وزارة المالية على المال العام، ولم يكن ذلك هو الإقرار الرسمي لأول مرة بالفشل، فقد سبق أن كشف محافظ بنك السودان المركزي د. محمد خير الزبير في منتدى قضايا التنمية الذي نظمه مركز البحوث الانمائية بجامعة الخرطوم وصندوق دعم المانحين بالبنك الدولي بقاعة الشارقة في فبراير الماضي، كشف عن إهدار الكثير من الموارد ــ يقصد الموارد المالية ــ نتيجة لضعف ولاية وزارة المالية على المال العام، مما يتطلب بذل جهد كبير في مجال إعادة هيكلة المؤسسات والهيئات الحكومية على نحو يساعد على تعزيز سيطرة وزارة المالية على المال العام، منوهاً لسعي البرنامج الإسعافي لتقوية هذه الولاية على المال العام من خلال القرارات التي أصدرها الرئيس السوداني البشير بتصفية «27» شركة حكومية، وقراراً آخر بدمج بعض الهيئات العامة لزيادة الإيرادات للخزينة العامة، لمزيد من ضبط المال العام.

الذراع القوية باتت «ملوية»: سؤال آخر يفرض نفسه بإلحاح، إذن ما هي الأسباب الحقيقية التي تجعل ولاية وزارة المالية على المال العام ضعيفة إلى الدرجة التي أهدرت المال العام وجعلته نهباً بين يدي لصوص المال العام، وإمبراطوريات الفساد؟! وزير المالية علي محمود نفسه يدفع بإجابة واضحة لا لبس فيها، حيث أكد الوزير أن سبب ضعف ولاية وزارته على المال العام ناتج عن أسباب أجملها محمود في: وجود قوانين خاصة تُكبِّل عمل وزارة المالية والاقتصاد الوطني، هذه القوانين الخاصة تعلو على القوانين العامة، وقال الوزير في إشارة إلى قوة وفاعلية القوانين العامة الموجودة، لو طبقت دون تدخلات سياسية تدخل من باب القوانين الخاصة، قال «ضراعنا قوية جداً، لكن القانون الخاص أقوى مننا»… وبدا واضحاً أن الوزير علي محمود أراد أن يبعث برسالة لنواب الشعب وهي أن هذه الذراع القوية جداً وجدت من «يلويها» بقوة القوانين الخاصة التي بدت فوق كل القوانين، وإمبراطورية تحصن بداخلها كل التجاوزات التي أزعجت وزير المالية.

قوانين تحمي الفساد: وزير المالية الذي جأر بالصوت العالي من وجود هذه القوانين الخاصة التي تحمي الفساد وتحصن أوكاره وتهيء الأجواء والمناخ الخصب لتفريخ الفساد والاعتداء على المال العام وإضعاف ولاية وزارة المالية عليه وضياع هيبة الدولة وانتهاك قدسية قوانينها العامة، بدا من خلال حديثه مستنجداً بالبرلمان، ومطالباً إياه بضرورة العمل على إلغاء هذه القوانين الخاصة التي خلقت إمبراطوريات وقلاعاً محصنة داخل كثير من الوزارات والمؤسسات والشركات الحكومية التي أدمنت تجنيب المال العام وتجاوز القوانين العامة ومجابهتها بقوانين خاصة أقوى تستطيع لي ذراع وزير المالية وتعويق المهمة الأولى لوزارته، وهي حماية المال العام والولاية عليه وضبط الصرف والإنفاق… ولعل من أقبح أوجه الفساد التي تساعد القوانين الخاصة على حمايتها وتحصينها هي تلك التجاوزات التي تحدث بالتعاقدات «الخاصة» التي كشف عنها المراجع العام، وقال إنها تجاوزت المليار جنيه، وقطع المراجع العام بأن كل التعاقدات الخاصة التي تمت بالدولة، ومن بينها تعاقد مع خبيرين بهيئة الطيران المدني بمبلغ «607» آلاف دولار في السنة، كلها تعاقدات تمت دون علم مجلس الوزراء حسب القانون.

ماذا سيفعل البرلمان؟ ولخطورة هذه الظاهرة دعا وزير المالية النواب إلى مراجعة القوانين الخاصة، وأضاف في معرض استنجاده بالنواب: «خارجونا منها»… لكن السؤال الأهم: هل يستطيع البرلمان نجدة وزير المالية، ويعمل على إلغاء القوانين الخاصة؟! الإجابة الراجحة وفقاً لكثير من المعطيات والمؤشرات: لا.
مدخل لصوص المال العام: الإجابة عن السؤال المطروح حول الأسباب الحقيقية التي تجعل ولاية وزارة المالية على المال العام ضعيفة!! جاءت أيضاً بشكل أكثر جلاءً من وزير العدل محمد بشارة دوسة الذي قال: «إن أهم أسباب إهدار المال العام، تكمن في: «تساهلنا في تنفيذ القوانين التي تحمي المال العام»، ووصف هذا التساهل بالمنفذ للاعتداء على المال العام، وحمَّل دوسة المسؤولية كاملة للجهاز التنفيذي، متهماً إياه بالضعف في تطبيق القوانين والنظم التي تحمي المال العام، من الاعتداء.

حكاية «فاكة»: إجابة أخرى عن السؤال أتت من مدير عام إدارة الولايات بديوان المراجع العام السابق سر الختم عبد الله إدريس الذي أقر هو الآخر في تصريحات صحفية سابقة بعدم وجود انضباط في العمليات المحاسبية في إدارة الوحدات التي تعمل في أغلب الأحيان دون تنسيق كامل مع الإدارات المالية، وأحياناً لا تعرف ما يدور بها فضلاً عن غياب مراقبة الأداء لهذه الوحدات. وأضاف قائلاً: «لاحظت خلال فترة عملي بالديوان أن المنشورات والقوانين واللوائح لا تطبق بالصورة المرجوة، وكثيراً ما نجد الصرف خارج الميزانية، وهناك أرانيك مالية صادرة من جهات أخرى غير المالية وهي أرانيك غير قانونية محاسبياً، ولا علاقة لها بأورنيك «15» المعروف للجميع وهذا يقود إلى عدم التعامل بالإجراءات المحاسبية المعروفة داخل هذه المؤسسات لأنها تقوم بجمع الأموال وصرفها دون وجود مراجعة حقيقية من الديوان ودون رقابة من وزارة المالية.

الخصم والحكم: ثمة إجابة ثالثة عن السؤال نفسه دفع بها الخبير الاقتصادي الدكتور الحاج حمد، الذي يشير إلى أن النظام القانوني الحالي والخاص بالإجراءات المالية والمحاسبية المتبع في الدولة ضعيف ويحتاج إلى تعديلات كثيرة، ويرى أن من بين أسباب ضعف ولاية وزارة المالية على المال العام وتفشي ظاهرة الاعتداء، أن المراجع العام لا يملك أية صلاحيات كافية، فهو يقوم بمراجعة حسابات المؤسسة ويحدد فيها الخلل والاختلاسات وجوانب الإخفاق ويسلم التقرير لذات المؤسسة أو الوزارة التي قام بمراجعة حساباتها، وحينها يبقى الأمر في يد الجهة المعنية، إما أن تقدم تلك الاعتداءات للنيابة أو أن تتجه إلى لملمة الأمر بمعالجته داخليا.ً وقال حمد يجب أن يملك المراجع العام سلطات حمل تلك الملفات للنيابة. وربط المراجع مع نيابة الثراء الحرام بدلاً عن تسليمه التقرير للجهة الحكومية التي قام بمراجعة حساباتها.. غير أن نواباً بالبرلمان رأوا ضرورة أن يمنح المراجع العام سلطة الاعتقال لأي مسؤول أو أية جهة تحوم حولها شبهة الفساد والتحري معها.

الجديد في عالم الفساد: أما آخر المستجدات في عالم الفساد وإضعاف رقابة وزارة المالية على المال العام، فقد جاءت من المراجع العام الذي أعلن عن تحويله قضية جديدة للاعتداء على المال العام بإحدى المؤسسات الحكومية، لنيابة المال العام بسبب تجاوزات في صرف حافز فاق الـ «100%»، هذه القضية تزامنت مع مطالبات برلمانيين بفضح أسماء المعتدين على المال العام ومحاسبتهم، متهمين جهات ووزارات حكومية بتزوير أرانيك مالية تخص المالية لتحصيل أموال من المواطنين دون رقيب.

الأمر الذي دفع عضو البرلمان بروفيسور الحبر يوسف نور الدائم، إلى القول إن بعض المسؤولين على علاقة بالمخالفات، وقال: «التقول عليه موسى تلقاه فرعون» .

صحيفة الإنتباهة
أحمد يوسف التاي[/JUSTIFY]

‫2 تعليقات

  1. [SIZE=3]الحبر يوسف نور الدائم انت رجل دين واختارك الشعب لتكون حارسا ومدافعا عن حقوقه لا لتتستر على المجرمين والفاسدين , عليك كشف كل الحرامية وسارقي قوت الشعب ولو كان السيف على رقبتك , [/SIZE]

  2. الله يخلف علينا باخير من ناس الانغاز بعد24 عام تريدوا ان تسنوا غانون يحمى المال العام الله يخرب الاكان سبب الله يكذب الشينه