سياسات التأميم هل تجنب السودان تأثيرات الأزمة الاقتصادية؟
ويشير كبج في مقدمة محاضرته الى ملامح الأزمة المالية العالمية والدروس المستفادة منها، مشككا في النظام الرأسمالي نفسه، الذي رأى انه كلما قدم حلولا للأزمة المالية العالمية تظهر ابعاد جديدة للمشكلة، ويصف ذلك بأنه يبدو كقفزة فى الظلام، رغم انه يرى ان الاوضاع لم تصل بعد للقاع.
بيد ان كبج يرى أن الرأسمالية والنظام الرأسمالي فى العالم ليس وحدة متشابهة فى كل المجالات، معتبرا ان للرأسمالية نسخا متعددة وهى تتدرج فى التدخل لمساعدة البشر فى القطاعات الهشة، ويشير في هذا الخصوص الى «فرنسا» التي يعتبرها من اكثر الدول التى تتدخل كدولة فى القطاعات الاجتماعية وهى بالتالى الاقل تأثرا بالركود والانكماش ، فيما الولايات المتحدة الامريكية هى الأقل تدخلا اقتصاديا، ويصفها بالنسخة التى يتكلم عنها الرئيس الامريكي «جورج بوش» أو ما تسمى بـ«الليبرالية الجديدة»، التي بدأت مع «تاتشر» و «ريجان» اللذين تحدثا عن عدم تدخل الدولة وان تترك السوق تنظم آليتها بمفردها وتُصحح نفسها بنفسها.
وفي وصفه لـ «الليبرالية الجديدة»، يعتقد كبج انها قدمت نموذجا للرأسمالية المتوحشة ، التي تدور بدون قواعد ، وشبه ذلك بمباراة فى كرة القدم بدون حكم ولا رجال خطوط ، أي انها ليبرالية لا تضع قيودا لنفسها ولكنها تضعها لدول العالم الثالث بواسطة البنك والنقد الدوليين.
ويعزو ذلك لنفوذ ضخم للدول الغنية فى صندوق النقد الدولى والبنك الدولى وهما ذراعان يقدمان روشتات مدمرة لدول العالم الثالث، والأسهم التى لدى امريكا فى هذه المؤسسات تساوى كل القدرة التصويتية للعالم الثالث بما فى ذلك الصين وهذا جعل الولايات المتحدة تفرض سياسات متوحشة .
ويتهم الولايات المتحدة والدول الغنية بعدم تطبيق قواعد تحرير السوق ، حيث نجد ان دولا مثل امريكا واوروبا واليابان وغيرها فى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية وهى اقل من 50 دولة تنفق 350 مليار دولار دعما للزراعة ، وهذا باختصار مليار دولار فى اليوم ، ويظهر ذلك انه لا توجد حرية سوق حيث لا يستطيع القطن السودانى غير المدعوم منافسة القطن الامريكى المدعوم فى السوق العالمى، والقمح الامريكى الذى يأتى لنا من امريكا يكون اقل سعرا من المنتوج المحلى ، هذا يعنى ان الحديث عن حرية السوق والتجارة العادلة غير متوفرة فى العالم.
ويعتقد الخبير الاقتصادي كبج ان الدروس المستفادة من هذه الأزمة ، حتى بالنسبة للدول الرأسمالية ، هى ضرورة تدخل الدولة وعمل قواعد ونوع من انواع التنظيم فى العمل الاقتصادى ، واطلاق سراح تدخل الدولة الاقتصادى وهذه خطوة مهمة للسودان والدول الفقيرة.
ويرى ان الأزمة المالية العالمية« الانفلات الاقتصادى» فى ظل السياسات الليبرالية الجديدة ، تم علاجها فى الولايات المتحدة وبقية الدول التى تأثرت بالأزمة الاقتصادية بواسطة التأميم، معتبرا ان التأميم هنا يُستخدم فى غير سياقه التاريخى حيث انه فى الاساس لمساعدة الفقراء.
لكن كبج يرى أن تدخل الدولة في امريكا بدفع مئات الالاف من مليارات الدولارات لعلاج الأزمة، لا تريد بها مساعدة الفقراء وانما انقاذ الاغنياء ومن بعدهم الفقراء.
وفي السودان، يعتقد كبج ان الحكومة ومنذ عهد « الوزير عبد الرحيم حمدى» نفذت سياسات الرأسمالية المتوحشة مثل سياسات الليبراليين الجُدد ، حيث قال البنك الدولى فى تقرير مشترك بينه وبين السودان ان الحكومة السودانية تطوعت فى تنفيذ سياسات البنك الدولى دون اى اتفاق مُسبق بينهما ، ونتيجة لهذا انهارت الخطة العشرية فى السودان على الرغم من كونها كانت خطة طموحة جدا.
ويرى كبج ان السودان يحتاج في سياق مواجهته للأزمة الاقتصادية العالمية، الى نسخة اقتصادية اكثر رحمة ، تتوجه للشرائح الهشة ، لان نسبة الفقر عالية جدا.
وفى عام 2005 فان القطاع المطرى التقليدى زرع 20 مليون فدان ، وكان الناتج الاجمالى 5 ، 5 % فى مساهمته فى الناتج المحلى الاجمالى، وكذلك 1.8 مليون فدان حول النيل حيث هو قطاع اكثر تطورا من القطاع المطرى التقليدى وكان الناتج الاجمالى هو 11% ، إذا الناتج من اقل من مليون فدان حول النيل يساوى مجمل ناتج القطاع المطرى التقليدى .
ويعمل في القطاع المطرى التقليدى ثلثا سكان السودان ، ويضم الثروة الحيوانية ، والثروة الغابية ، وهو ما يمكن ان يمنح السودان اكتفاء ذاتيا من اللحوم و 70% من الالبان و 30% من صادراتنا البترولية.
ويصل كبج الى القول انه من الضروري ان تذهب السياسات االرأسمالية المتوحشة التى نُفذت فى السودان بتأثير من البنك الدولى والليبراليين الجدد فى امريكا، الى متحف التاريخ فى السودان ، ويجب استعادة تدخل الدولة لمحاربة الفقر ومساعدة الفقراء.
الميزانية الحالية فيما يخص السدود 82% من جملة قطاع الزراعة والرى ومنحت الزراعة 12% وللثروة الحيوانية 6% . معتبرا ان هذا الامر اصرار على عدم تنمية القطاع المطرى التقليدى.
ويشير الى ان القطاع المروى وجد 149 مليون جنيه وفيها 30 مليونا لتوطين القمح.
وفيما يخص دارفور، يرى كبج ان اتفاقية « ابوجا» – رغم رفض الكثيرين لها- نصت على انه وحتى نهاية عام 2006 سيتم منح دارفور 300 مليون ، و 200 مليون فى 2007 ، و 200 مليون فى 2008 م.. يعنى 700 مليون حتى نهاية هذا العام وحتى قبل شهور قليلة كان كل ما تم دفعه هو 7 ملايين مما يعنى 1%.
المصدر :الصحافة [/ALIGN]