رأي ومقالات

وجــه الشـبـه بــين الليلة والبارحـة !!

[JUSTIFY]بعد معركة أبو كرشولا في جنوب كردفان، وطرد فلول ما تسمى الجبهة الثورية وعملاء دولة الجنوب، لا بد من مواصلة عملية دحر التمرد وإخراجه من ولاية جنوب كردفان واستئصال شأفته ومنع تمدده، وتبقت جيوب معلومة في جبال النوية وأهمها منطقة كاودا، وبعض المناطق المتاخمة لولاية الوحدة، حيث توجد منافذ دخول الدعم القادم من دولة الجنوب، وتوجد في مناطق فاريانق وبانتيو قيادة ما يسمى قطاع الشمال والجبهة الثورية التي تدير المعارك من هناك، وتلقي الجنود في محرقة الحرب والقتال، وألسنة اللهب بعيدة عنهم لا يهم أن تحرق هذه الحرب المجنونة كل شيء في مناطق جنوب كردفان وغيرها.

إذا كانت الجبهة الثورية تصنف في تكوينها الداخلي بأنها تجميع لكل الحركات المتمردة في دارفور وقوات الجيش الشعبي من أبناء جبال النوبة ومناطق النيل الأزرق وعدد من الأفراد من مناطق مختلفة تواطأوا على الحرب والتمرد، فإنه لا بد من معرفة دقيقة بعيداً عن ميثاق هذه الجبهة المتمردة لأهداف كل هذا الشتيت الذي يقاتل والتعامل معه.

فأبناء مناطق جنوب كردفان سواء أكانوا من النوبة أو غيرهم، تنحصر أهدافهم في الأساس في مناطقهم، ويطالبون بالتنمية والخدمات المشتركة السياسية، وهذه لها جذور في التطور السياسي لخطاب مناطقي جهوي قديم قبل أكثر من أربعين عاماً، اجتاح مناطق جبال النوبة، وتلاقى مع خطاب آخر عبرت عنه بعض التنظيمات التي صارت من حفريات التاريخ السياسي في دارفور مثل منظمة سوني واللهيب الأحمر.

وكان هذا الجذر التاريخي مطموراً في تراب النسيان حتى بعثته الحركة الشعبية ومن يقف وراءها من القوى الدولية، وأعطته القابلية والقدرة على الحياة. وأصبح النسل الجديد من هذه الحركات الجهوية والعنصرية الذي التأم في الجبهة الثورية، يحلم بما بناه الآباء المؤسسون من تصورات لم تخرج منها التوجهات السياسية الراهنة قيد أنملة !!

لكن الطارئ في التوجهات والرغبات المتوحشة لبلوغ نشوة السلطة، أن أبناء النوبة في الحركة الشعبية لم تتطور رؤاهم السياسية لتتعدى وتتخطى حدود مناطقهم ولا الإحداثيات التي رسمها الجيل السابق، فكانوا يطالبون بالخدمات والتنمية والمشاركة السياسية في إطار أي نظام حكم قائم.

بينما تقوم الفكرة الرئيسة لحركات دارفور المنضوية تحت راية الجبهة الثورية في إطار تحالفها القائم الآن، على ضرورة تغيير النظام في الخرطوم، مندفعة بشحنة معنوية خاطئة سرت فيها من عملية حركة العدل والمساواة في العاشر من مايو 2008م لدخول الخرطوم، وتظن حركات دارفور أن تغيير النظام ونقل المعركة إلى الخرطوم يجب أن يكون هو هدف الجبهة الثورية، وتحاول إقناع أبناء جبال النوبة بتغيير مفاهيمهم السياسية والقتالية المؤطرة في جبالهم، إلى الغاية الأكبر من ذلك وهي الخرطوم.

وبالرغم من أن قيادة الحركة الشعبية قطاع الشمال تلتقي مع قيادات حركات دارفور على ذات الفكرة، إلا أن المقاتلين والقيادات العسكرية من أبناء النوبة لا يحبذون هذه الفكرة ولم يستسيغوها ليهضموا أبعادها ومراميها.

ولذلك نحن نتعامل مع الجبهة الثورية بوصفها كتلة واحدة، لكنها من الداخل تتعدد فيها الاتجاهات والمطامع، فكل مكوناتها تتعامل على طريقة «استخدام البعض الآخر» في تحقيق أهدافه، واللقاء المرحلي الراهن يعبر عن الحد الأدنى المتفق عليه بجعل جبهات القتال في دارفور وجنوب كردفان مستعرة لا تنطفئ، فأبناء جبال النوبة في الحركة الشعبية تتحقق لهم مصالحهم ورغباتهم من هذه الحرب ولو أدت لأقصى وأبعد رغبة وهي الانفصال والانضمام لدولة الجنوب، وقيادات حركات دارفور يعتقدون أن أية حرب مهما كانت نتائجها ستضعف الحكومة في الخرطوم وتشتت جهودها العسكرية وتفتح لهم الطريق لإسقاطها.

ومن وراء كل هذا تقف حكومة دولة الجنوب، وهي مخلب قط يستخدم مخالب هذه الحركات وقطاع الشمال، وينفذ الأجندة الدولية التي تريد تغيير نظام الحكم في السودان، ومن ثم تغيير تركيبته السياسية والاجتماعية وهويته الثقافية والحضارية.

ومن يكثف قراءاته في الأسفار والتقارير الإسرائيلية منذ الخمسينيات وحتى اليوم، وفي مخططات القوى الدولية التي سرت مع الهزيع الأخير للقرن التاسع عشر واحتلال السودان، وما أفرزته الحرب العالمية الأولى وسقوط الخلافة العثمانية ووعد بلفور والصراع على الموارد والثروات وشراهة البطون الأوروبية الاستعمارية، لا يجد عناءً في فهم ما يجري ويدور حولنا وفي بلدنا الذي يواجه أشرس حملة لمحوه من الخريطة وكشطه من الوجود.

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة[/JUSTIFY]