جعفر عباس

القرد الجامعي

القرد الجامعي
لا أزعم أنني فطحل في اللغة العربية، بل أكره كلمة فطحل، كما يضايقني أن يقول شخص ما عن شاعر أحبه أنه «فحل»، ولكنني أحب هذه اللغة رغم أنها ليست لغتي الأم (أهلي يتكلمون النوبية وهي لغة حامية عمرها 6000 سنة)، وأستاء كثيرا لكون الألسنة العامية صارت ملوثة بمفردات أفرنجية في كل البلدان العربية تقريبا.. يعني عندما يستخدم شخص متعلم ثنائي أو ثلاثي اللغة مفردات ومصطلحات أجنبية يمكن ان تكون المسألة مقبولة، ولكن عندما ينطق شخص أعرف أن حظه من الإنجليزية مثل حظ شعبولا من حسن الصوت كلمة «زيرو»، فإنني أكاد أن أقطم رقبته وأصيح فيه: حرام عليك.. الصفر كان آخر مساهمة عربية في العلوم الطبيعية فلماذا «تزوره» أي تجعله زيرو؟ وشيئا فشيئا تسللت مفردات كثيرة هجينة إلى لغتنا الفصيحة حتى كادت أن تصبح «فسيخة»، وأمامي الآن قصاصة من جريدة الراية القطرية تعود الى عام 2003 (هل عرفتم كيف يجد كاتب العمود اليومي مادته؟ لا بد ان يكون عنده جراب الحاوي) تتعلق القصاصة بما حدث في جامعة عين شمس المصرية، حيث تلقى مديرها طلبا مكتوبا من أحد الطلاب جاء فيه ما يلي: مستقبلي الدراسي في خطر، والسبيل الوحيد أمامي لمواصلة الدراسة في الجامعة، هو ان احصل على قرد، واحتار مدير الجامعة في أمر هذا الطلب: هل يريد الطالب امتلاك قرد كي يعلمه بعض الحركات ويدور به في الشوارع لجمع المال أم انه يريد بيع القرد ليوفر مصاريف الدارسة؟ وهل الطالب في كلية البيطرة، ويريد القرد ليقوم بتشريحه بعد ان تسربت اليه ورقة الامتحان وعرف انه سيكون مطالبا بتشريح القرد وتشخيص حالته المرضية؟ ولكن الطالب لم يكن مسجلا في كلية البيطرة!! هل يريد استخدام القرد في توصيل البرشام اليه اثناء الامتحانات؟ أم انه يريد تكليفه باختطاف اوراق أجوبة اسئلة الامتحانات من الطلاب المتفوقين وتوصيلها اليه كي ينقل عنها بالمسطرة؟ أم هو مغازلجي ويريد استخدام القرد في نقل رسائل نصية قصيرة الى الحبايب؟ اسئلة كثيرة دارت في ذهن مدير الجامعة ولم يجد مناصا من استدعاء الطالب، طالب القرد، فمثل الطالب أمامه… دعونا نتخيل ما قاله المدير الوقور الذي يهمه ان يحل المشكلات التي يواجهها طلابه، واحتار في امر توفير قرد لطالب، لأن جامعة عين شمس في القاهرة،.. والقاهرة ليس بها غابات استوائية تعيش فيها القرود ليتسنى تكليف احد عمال الجامعة باصطياد واحد منها لحل مشكلة الطالب المالية: يا ابني أجيب لك قرد منين؟.. وبعدين إزاي القرد حيحل مشاكلك المادية ويضمن مستقبلك الدراسي؟.. هنا لا بد ان الطالب حاول ان يقول كلاما من قبيل: في الحقيقة يا دكتور أنا طالب…. فيقاطعه المدير: مانا عارف انك طالب، وكمان طالب قرد!! مش الورقة دي مكتوبة بخط إيدك؟.. طبعا الطالب قال: آآ.. أنا اللي كتبتها بس…..!!! بس إيه يا ابني؟ .. لا بد أيضا انه دار بذهن المدير ان الطالب «شامم حاجة»، يعني في حالة غير طبيعية!! هنا صاح الطالب المسكين: يا أستاذ انا مش عايز قرد ولا زرافة،.. أنا عايز…!! وصاح المدير بدوره: انت حتجنني؟ مش دي ورقتك؟ مش ده خطك؟ مش بتقول ان السبيل الوحيد أمامك لمواصلة دراستك هو ان تحصل على قرد؟ فاض الكيل بالطالب: انا مش عايز قرد ولا زفت! انا عايز قرض… فلوس… سلفة!
لا بد ان مدير الجامعة تساءل في نفسه: ده دخل الجامعة إزاي؟ معقول حد بيتكلم لغة الضاد يخلي القرض قرد؟ دا حتى جعفر عباس النوبي ما يعملهاش.. لو عرفت يا حضرة المدير بحال بقية الجامعات من حولك في عالمنا العربي، لمنحت صاحبنا ذاك قرضا وفوقه قردا!

[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]