الحريق الكبير.. وقصة النجاة يرويها التجار الشماليون
يصمت قليلاً وهو يحدثني عبر الهاتف ويواصل الحمد لله على كل شيء والمال بتعوض.. بعد أن خرجنا في الوقت المناسب ونجونا بأرواحنا.. واصفاً أنهم من الساعة الثانية عشرة تنامى إلى مسامعهم أن هنالك مشكلة وهم في السوق الشعبي مجموعة من التجار الشماليين وقال إن محلاتهم مبنية من القش والرواكيب والزنك وبعض المباني الأسمنتية لمن يستطيع وإنهم دفعوا 100 جنيه مقابل المحل الواحد عند ترحيل السوق من وسط أبيي إلى هذا الجزء الشمالي منها مقابل الطريق المؤدي إلى الشمال، مشيراً إلى أن الجنوبيين لهم سوقان أحدهما في «ملل» والآخر في حي المستشفى.. والحركة التجارية بيننا تتم في بضاعة الشاي والسكر والزيوت والملابس.. ونحن نشتري منهم الصابون والمشروبات والعصائر القادمة من جوبا ولكننا لا نذهب إلى حيث مناطقهم.. بل هم يأتون إلينا.. وعن السكن هم يسكنون في حي النيم بينما يسكن التجار الشماليون في محلاتهم بالسوق الشعبي ولا يسمح لهم بالسكن فى تلك الأحياء ومن يسكن هنالك يتحمل مسؤوليته فاحتمال يقتل أو يخطف، وأضاف محمد يعقوب الأجواء توترت مع مضي الزمن بين الطرفين، وزاد عندما سمعنا خبر مقتل السلطان كوال وحينها ارتفع صوت الذخيرة من الجانب الجنوبي لدينكا نقوك وكانت ذخيرة كلاشنكوف، وفي ذات الوقت ارتكزت قوات اليونسيفا في مسافات بيننا وبينهم وحينها اتخذنا قرارنا وقفلنا محلاتنا واتجهنا مشياً نحو طريق الخروج والاتجاه إلى قولي.
ويواصل محمد يعقوب حكايته قائلاً بعد أن يصمت قليلاً وهو يتذكر لحظات عصيبة مرت عليهم ولا يدري هل سيخرج أم لا وسط أصوات الرصاص العشوائية وصرخات الشباب الجنوبيين دينكا نقوك الغاضبة والمتوعدة بحسب قوله، ووسط الظلام كانت خطواتهم تتسارع ومعه 200 تاجر شمالي، في تلك اللحظة وهم يعبرون بوابة الدخول التي توجد فيها القوات الأثيوبية «اليونسيفا» والتي منعتهم من المكوث أمامها وأمرتهم بمواصلة السير إلى المناطق الآمنة وأولها قولي، حيث يوجد المسيرية. وقال محمد يعقوب لقد كنت آخر من خرج من أبيي بعد أن أخرجنا أنا وأخي الجميع بحكم معرفتنا للمنطقة وطول فترة وجودنا بها، وسرنا في الطريق مشياً على الأقدام دون توقف ورأينا ونحن نمشي ألسنة النيران التي بدأت تلتهم السوق ومن الساعة الثانية عشرة ليلاً حتى الساعة الثامنة صباحاً واصلنا السير حتى وصلنا مشارف قولي وعندها حمدنا الله على نجاتنا.
قولي المحطة الأولى.. ولا مسؤول حكومي هناكفي منطقة قولي استقبلنا الناس هناك وهم متأهبون ومستعدون ووجدناهم يقومون بدفن الشهداء وعلى مسافات منهم تراقب قوات اليونسيفا.. وفي قولي ليس هناك وجود حكومي بعد المشكلة.. بل مجموعات من المواطنين ينظمون أنفسهم وأيضاً لا يوجد أحد من القيادات الأهلية قد وصل إثر الحادثة وقد أبلغنا المواطنون بأن هنالك تاجراً واحداً لم يستطع المشي لأنه مريض فجلس في منتصف الطريق ويحتاج لمن يساعده إذ أننا لم نستطع حمله لأننا جميعاً متعبون.. فرجع إليه أحدهم «بالموتر» وعاد به ووصلنا بذلك كلنا سالمين إلا من التعب والارهاق، ولم نمكث في قولي كثيراً وتحركنا منها إلى منطقة المجلد بعد أن وجدنا شاحنة تابعة لإحدى الشركات فاستقليناها جميعاً إلى المجلد لينتهي بنا الحال إلى الانتظار لما سوف يحدث خاصة أننا تضررنا كثيراً من حرق محلاتنا وبضاعتنا، فأنا لديّ محلان للبضاعة وآخر لبيع الجاز وهنالك تجار لديهم محلات فيها ملابس تقدر قيمتها بـ50 مليوناً، واعتقد أن الخسائر كبيرة جداً لو حصرت، وتقدر بأكثر من 10 مليارات جنيه، وبعدها علمنا أن السوق كله قد تم حرقه بعد خروجنا وفي الصباح أيضاً تم هدم المسجد وهدمت جدرانه حتى مئذنته وأن هناك تجمعات كبيرة لدينكا نقوك قد توافدت للمنطقة بينما تجمع العرب المسيرية في قولي والمناطق المجاورة، والآن نحن جميع التجار المنكوبين في منطقة المجلد، حيث استقبلتنا لجنة التجار وأحسنوا وفادتنا وكذلك بعض الأصدقاء لحين النظر في قضيتنا والضرر الذي حدث لنا.. حيث خسرنا كل شيء ورجعنا فقط بما نلبسه والحمد لله.
صحيفة الإنتباهة
عيسى جديد