عالمية

هل بدأ “ربيع” هيئة الأمر بالمعروف السعودية؟

لم يغب رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية، عبداللطيف آل الشيخ، عن واجهة الإعلام، يرى أنه محارب من داخل الهيئة قبل خارجها، مجددًا مطالبته بتوظيف المرأة بالهيئة، وكذلك إلغاء ممارسات عديدة لا تزال حاضرة اليوم.. فهل سيحقق “ربيع” الهيئة؟
الرياض: تعيش هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية مرحلة مفصلية مختلفة عمّا كانت عليه سابقًا، لم يتغيّر شيء سوى في تخفيف حدة التعاطي مع المجتمع بفعل عمليات إصلاحية من قيادتها الجديدة التي يديرها رئيسها عبداللطيف آل الشيخ.

التاريخ حدَث بما كانت تنتهجه الهيئة التي تُعرف بـ”الشرطة الدينية”، وهي تسمية جاءت عبر ملامح تتشابه فيها مع قوات الشرطة التي يحق لها ما لا يحق لغيرها خاصة في مهام ضبط الأمن.

لم يتغيّر شيء كبير في الأعمال أو مباشرتها، لكن الملاحظ كان الاقتراب الإعلامي الطاغي من رأس هرمها ومن متحدثيها للإعلام خاصة في شبكات التواصل الاجتماعي، والخطاب الجديد المستخدم من قبلهم خلاف ما كان سائدًا، بل ويسود بعض رجال ميدانها الرافضين للتغيير.

إبعاد “المتعاونين”..

الرئيس عبداللطيف آل الشيخ جاء في أواخر العام 2011 عام الثورات العربية، وحمل معه رؤية مختلفة، جاءت كردة فعل بعد تجاوزات كبيرة في أعوام سابقة بل عقود طويلة، وكانت أولى قرارات الرئيس آل الشيخ هي إلغاء عقود من يسمون بـ”المتعاونين” وهم غالبًا من يراهم الشارع السعودي قادة البطش والتشديد على الميدان، ويلحظ مراقبون أنه رغم عدد من القرارات الصادرة في شأن عدم العمل مع المتعاونين إلا أن التفعيل جاء بصورة كبيرة على يد الرئيس الجديد.

محاولة كسر “النمطية”

القرارات والتوجيهات من رئيسها حملت أوامر بالمشاركة في جميع المحافل الثقافية والمجتمعية لكن بصورة مغايرة عن نمطية الوجود المهيب سابقًا، فكانت في معرض الرياض للكتاب ومن ثم مهرجان الجنادرية وغيرها، إلا أنها من داخل هذه المحافل كانت التجاوزات خلاف التوجيهات، وتفاعل ميدانيو الهيئة بطريقة مختلفة عمّا توده رئاستهم وهرمها الأعلى.

إلغاء المطاردات “البوليسية”..

من أولى القرارات التي عمل عليها الرئيس آل الشيخ القادم من بيت أسرة (آل الشيخ) من سلالة محمد بن عبدالوهاب، أولى هذه القرارات هي وقف “المطاردات” والحملات السرية وإعادة النظر في أعمالها، إما بترشيد عملها أو إلغائها، “إلا إذا كان الأمر يتعلق بمطاردة مجرم ارتكب أمراً خطيراً مثل خطف امرأة أو طفل أو ارتكب خطأ كبيرًا”!

دخول الشباب إلى الأسواق “ممنوع”..!

رئيس “الحسبة” وفق ما هو معروف بالنسق الإسلامي، ثنى على القرار الحكومي بجعل الأسواق مفتوحة أمام الجميع، قائلاً إنه لا يوجد ما يمنع الناس من ارتيادها شبابًا أو عوائل، وأن لا صحة من تداول بعض الناس أن الهيئة هي من وجهت بالمنع في السابق، وقال: إن افتعال مشكلة منع الشباب من دخول الأسواق أمر غريب، وغير مدروس”.

ووصف آل الشيخ منعهم في السابق بـ “الخطأ الفادح”، قائلاً إنه: “لا يمكن منع شخص من الذهاب للأسواق فهذا هو الطبيعي، وإذا وقع أي خطأ يطبق النظام على المخطئ، أما منع الشباب من الأسواق فهو أمر غير مقبول، وإن “بعض أصحاب الأسواق هم الذين يضعون الطوق على الأسواق وليس الطوق من رجال الهيئة”.

اتفاقية 160 سنتيمتراً ..

الرئيس الطامح للتغيير، وبعد جدال كبير وطويل، وقع في شهر شباط/فبراير الماضي اتفاقًا مع وزارة العمل في ما يخص تأنيث المحال النسائية وآلية تطبيقه، توصّل الجانبان إلى اتفاق مشترك، يتضمن عدد البنود التي تحدّد طرق التطبيق لهذا القرار.

وتضمنت مذكرة تأنيث جميع محال بيع المستلزمات النسائية، وتخصيصها لعمل النساء لتقديم الخدمة لمثيلاتهن فقط، وفصل الأقسام النسائية في المحال الكبرى متعددة الأنشطة بـ”حاجز لا يقل ارتفاعه عن 160 سنتيمتراً”، إضافة إلى إلزام المحال المخالفة بتصحيح أوضاعها خلال شهر من تاريخ التوقيع.

“احتساب” ضد رئيس “المحتسبين”

الرئيس الجديد يريد شيئًا مختلفًا، لكنه يواجه بعدد من التحديات، أحدها عدم تقبل “محتسبي رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” لما يحاول تغييره، ففي شهر نيسان/ أبريل الماضي تظاهر عدد من رجال الهيئة أمام مقر الرئاسة العامة للهيئات بالرياض، وذكر مقربون منهم أن التجمع جاء لمقابلة الرئيس العام الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ ، ومطالبته بإعادة بعض الصلاحيات للموظفين أو قبول الاستقالة .

توظيف المرأة .. في الهيئة!

لم يكف عبداللطيف آل الشيخ من ترديد كلماته أن المرأة تستحق الأكثر، وأن وجودها في هيئة الأمر بالمعروف اصبح ضرورة، أبرز هذه التصريحات ما ذكره في لقاء تلفزيوني: “ألا ترون النهضة التي تمت في السعودية ومنها إتاحة الفرصة لكسب المرأة الرزق الحلال، لا بد لنا من وجود امرأة تتعامل مع المرأة وأن تستفيد المواطنة من خدمات الهيئة من خلال المرأة، ونرى أن وجودها وأن تعمل ضمن الهيئة، مستقلة بذاتها وإدارتها وفق التعليمات والأنظمة وفق مثيلاتها”.

يضيف آل الشيخ أن توظيف المرأة “أمر لا بد منه وأننا بحاجة ماسة إليه”، مفيدًا أنهم ينتظرون الموافقة وتمكين ذلك عبر وزارة المالية السعودية وفق حديثه. من استحداث 600 وظيفة نسائية، معلنًا أن ذلك هو من أولوياته في عمله رئيساً للهيئة.

الرئيس: متشددون يريدون من جهاز الهيئة السير على منهج جهيمان

آخر تواجد إعلامي حضره رئيس هيئة الأمر بالمعروف في السعودية عبداللطيف آل الشيخ كان في جدة، في إثنينية الأديب السعودي عبدالمقصود خوجة، وكشف آل الشيخ عن وجود متشددين يريدون من جهاز الهيئة السير على منهجي “أبي لهب” وكذلك “جهيمان” الذي اقتحم الحرم المكي 1979 وكشف في حديثه عن وجود من يريد من جهاز الهيئة أن يكون يداً باطشة ومتسلطة.

رجل “تغريبي”..!

وبين آل الشيخ أنه تعرض لهجوم قبيل تعيينه بثلاثة أيام من قبل متشددين من خلال وصفهم له بالـ “تغريبي” عندما ألغى نظام المتعاونين في الهيئة، وأفاد بأنه واجه الكثير من العقبات والمحاذير منذ بداية عمله في الهيئة، بيد أنه استطاع أن يتعدى الكثير منها، فهو ينتهج سياسة “الباب المفتوح” في رئاسة الهيئة.

تنظيم الهيئة الجديد

في أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي، اعتمد مجلس الوزراء السعودي تنظيمًا جديدًا لعمل “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، وهو بذلك يحل محل تنظيم سابق تجاوز عمره أكثر من ثلاثين عامًا، كان أبرزها تمكين الجهات القضائية من أعمال كانت تمارسها هيئة الأمر بالمعروف سابقًا حتى كان ولا يزال مصطلح “رجال الهيئة أحباب القضاة” ساريًا.

وحمل التنظيم خضوع إجراءات التحري والاستيقاف والقبض والتفتيش والتعامل مع المضبوطات والإحالة لنظام الإجراءات الجزائية مع مراعاة حقوق وضمانات المتهم المهمة، والمراعاة لـ”حقوق الإنسان وحفظ الحريات المكفولة شرعاً ونظاماً”.

التاريخ.. ماذا يقول عن تغيير الهيئة

عبر وثائق التاريخ الكبيرة، مرت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمحاولات تغيير كبيرة، كان أبرزها عام 1990 وكذلك العام 1929 من العام الأخير يشهد التاريخ أن عبد الظاهر أبو السمح الذي كان يشغل إمام حرم مكة وكان حينها رئيسًا لهيئات الأمر بالمعروف بمنطقة مكة قدم استقالته لأنه كان رافضًا لمبادئ عديدة كانت تسير عليها هيئة الأمر بالمعروف، وكان أبو السمح يطالب بـ”أن تسير الهيئة على سياسة استجلاء قلوب الناس وتوعيتهم بالتي هي أحسن”.

في العام 1990 عيّن الملك السعودي الراحل فهد بن عبدالعزيز الدكتور عبدالعزيز السعيد رئيسًا لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بعد أن ازداد سخط العاهل السعودي على أعمال الهيئة ورجالها بعد ازدياد المصادمات مع الجنسيات الأخرى خصوصًا من النساء، وحاول حينها إجراء إصلاحات كبرى.

إصلاحات السعيد الأولى كانت عبر مطالبته في تعاميم عديدة “وقف اقتحام المنازل والتدخل في شؤون الغير”، وهو ما كان يعلنه مراراً عبر الصحف واللقاءات الإعلامية، وهو كذلك ما أجّج النار عليه من قبل موظفي هيئة الأمر بالمعروف أصحاب المزايا الوظيفية العالية بالدولة.

وزادت فترة السعيد أكثر من عشر سنوات إلا أنه واجه صعوبات كبيرة في كيفية تذليلها، وكان يقول: “بعض المسؤولين في الهيئات يفضلون تعيين من لا يملك عملاً لأجل ألا يناقش ولا يفكر بل ينفذ المطلوب فقط”.. وهذا ما يراه السعيد خطأ.

إيلاف