علي الحكومة مراعاة فروق الوقت
إبداء الرغبة والجاهزية للحوار مع قطاع الشمال، أمر جيد، وانعطافة مهمة صوب الطرق المفضية الي السلام، فحقائق التاريخ قول إنه ليست هناك حرب أبدية، ولابد في النهاية من الجلوس علي مائدة التفاوض والوصول لتسوية سلمية لإنهاء الحرب.
لكن إبداء الرغبة في كل الأحوال من شأنه أن يرسل رسائل مغلوطة للطر الأخر، وربما يتوهم أن الجلوس جاء نتائج ضعف كمردود لداناته الحارقة.
أخطر ما في هذا الوهم المحتمل، أن الطرف الآخر في هذه الحالة يجئ وهو يرفع السقوف التفاوضية لحدها الأعلى لأنه يعتقد بأنه الأقوى علي الأرض، وأن الرد علي داناته لا يكون بمثلها وإنما بإبداء الرغبة في الجلوس للحوار والتفاوض.
لذلك فهو يجئ ليملي شروطه ويجاهر بعدم جديته منذ البداية بتسمية شخص لقيادة التفاوض، لا يتوقع أكثر المتفائلين أن يصل إلي شئ فياسر عرمان الذي تم تكليفه بقيادة وفد التفاوض لحل قضايا المنطقتين، ستكون قضايا لمنطقتين في ذيل اهتماماته، بينما سيهتم علي الأرجح بقضايا أخري تؤمن له وللقطاع دوراً محورياً في المرحلة المقبلة.
لابد من مراعاة فروق الوقت في التصريح، فالحديث عن الحرب في أجواء السلام يعد نشازاً تماماً، كما أن الحديث عن الاستعداد للحوار عقب الاعتداء، أي اعتداء يوفر حيثيات لزعم الطرف الآخر بأنه استطاع أن يجبر خصمه علي الجلوس رغم أن الحقائق الناصعة علي الأرض غالباً ما تقول غير ذلك.
من الآخر، فإن الحوار مع الحركة الشعبية قطاع الشمال، أو أبناء المنطقتين إن شئت، أمر مهم ولا سبيل غيره للوصول الي سلام بجنوب كردفان والنيل الأزرق، ولكن محاولات إحراز الهدف الذهبي بفرض واقع معين علي الأرض لتحسين الموقف التفاوضي علي الطاولة قبل الجولة، يعد ضرباً من (تجريب المجرب).
فما لم يفلح أي من الطرفين في تحقيقه بالميدان في (22) شهراً منذ (الكتمة) لن يحققاه في أيام معدودة قبل انطلاق جولة المفاوضات في الخامس والعشرين من الشهر الحالي.
بالتالي، فإن أقصي ما يمكن أن تحدثه قذائف الكاتيوشا إلي جانب بعض الحرائق العشوائية في كادوقلي، هو تغذية المواقف الرافضة للجلوس مع قطاع الشمال بصورة قد تجعل البروفيسور إبراهيم غندور الموسوم بالحكمة والاعتدال يكف عن الحديث المباح بشأن التفاوض في هذا التوقيت لحين إرسال جهات أخري لرسائل حربية قاسية مفادها أن القطاع لن يستطيع ان يحقق أياً من أهدافه السياسية بوسائل حربية.
صحيفة الرأي العام
فتح الرحمن شبارقة