رأي ومقالات

خالد حسن كسلا: «تلفون» هل هو عطر الزيارة !

[JUSTIFY]يبقى السجين السوداني في دولة جنوب السودان لعدة سنوات ومنذ ما قبل انفصال الجنوب طبعاً السيد تلفون كوكو أبوجلحة يبقى ملدوغاً من جُحر ثعبان الحركة الشعبية «مرَّتين».. وكانت المرَّة الأولى كافية لخروجه من صفو حركة التمرد بقيادة جون قرنق كما فعل لام أكول ورياك مشار، لكن دون عودة مثلهما.. وكما فعل غيرهما من أبناء الجنوب ولم يعودوا. لكن يبدو أن السيد «تلفون» كان يحمل من المرارات حيال حكومة الخرطوم ما لا تدانيها مراراته التي احتملها من قيادة وقادة الحركة الشعبية من أبناء جنوب السودان أو ربما بعض أبناء جبال النوبة. لكن الآن الوضع اختلف تماماً، فقد أدرك أن ما فعلته الحركة الشعبية بأبناء النوبة من النواحي الأمنية والنفسية والمعيشية لم تفعل حكومات الخرطوم معشاره إذا اتهمناها بالتقصير في واجبها تجاه تنمية مناطق جبال النوبة، ولا يمكن أن يوجه مثل هذا الاتهام دون أن يكون بالبلاد اقتصاد منتعش. فيمكن أن نتهم دول غنية بأنها مقصِّرة في تنمية بعض المناطق، أما السودان فهو دولة فقيرة ويزداد كل يوم فقراً على فقر، وحتى مشروعات التنمية في دارفور تعتمد على المانحين الذين عقدوا مؤتمرهم مؤخراً في الدوحة، ولا تعتمد على خزينة البلاد التي تنتظر ــ وهي تتضَّور جوعاً ــ عائدات عبور نفط «الجنوب». وإذا كان السيد تلفون كوكو قد عرَّض نفسه للاعتقال الجائر بسبب إبداء الرأي وأصبح «سجين رأي» بعد اتفاقية نيفاشا لمجرد أنه دافع عن حقوق أهله ضد الحركة الشعبية، فهو حينما كان يدافع عنها ضد حكومة الخرطوم وجد حضن الحركة الشعبية مفتوحاً ومع ذلك ضاقت به ذرعاً. فيبدو أنه صاحب قضية خالصة وغير مختلطة بأجندة أجنبية لذلك تعرّض لسجنه الأول القاسي وهو يحمل البندقية ضمن صفوف الحركة الشعبية يحارب بها عدو التمرد بقيادة قرنق في الخرطوم ومختلف أنحاء السودان. والمقالة التاريخية حول سجنه الأوّل موجودة وعرفها الكثير، لكن ما دمنا هنا بصدد مقارنة بين الخرطوم والتمرد قبل نيفاشا لا بد من سردها بشيء من الإيجاز هنا.. فقد اعتقلت الحركة الشعبية «أحد مناضليها» من أبنا جبال النوبة السّيد تلفون في يوم 28/12/1993م أثناء اشتعال نيران الحرب في مناطق برام «مسقط رأسه» وتوجو وطروجر وذلك بعد أن قدم إلى محكمة عسكرية «تمردية».. والطرفة هنا هي أن قادة التمرد الذين هربوا من الخدمة العسكرية وعلى رأسهم كاربينو وقرنق كانوا يستحقون أن يُقدَّموا لمحاكمات عسكرية. وكانت المحكمة قد حكمت على تلفون بالإعدام لكن مع وقف التنفيذ. وهذه طرفة أخرى. فطردوه من موطنه جبال النوبة إلى جنوب السودان، وهو من أبناء النوبة، والتحق بالتمرد ليخدم قضية أهله إلى جانب قضية الجنوب، فلماذا لم يتم فصله من الحركة الشعبية إذا كان يستحق الإعدام بدلاً من نفيه إلى بحر الغزال موثوق اليدين؟! ثلاث سنوات قضاها تلفون كوكو في سجون معسكرات التمرد من عام 1993م إلى عام 1997م وفي هذا العام كان إطلاق سراحه في 12/3/1997م. لكنه استمر مقاتلاً في صفوف التمرد وكأن الذي سجنه تلك الفترة هو أبوه. فهل كان قرنق يستحق هذه الأبوية؟! هل كان لا يعلم بسجنه؟! أم أن كرااهية تلفون للخرطوم وقتها غلبت على كراهيته لظلم وجور وإهانة الحركة المتمردة؟! الآن تلفون مع تقدم العمر وسعة الأفق أدرك كل شيء وعرف صليحه من عدوه كما يبدو، فهل بعد إطلاق سراحه سيكرِّر ما فعله المرة الأولى ويعود متمرداً مع الحلو وعقار؟! ليكون «تلفون» نموذجاً لعودة الوعي لكل أهل السودان المخدوعين بشعارات التمرد.

صحيفة الإنتباهة[/JUSTIFY]