منى سلمان
نوم الكيعان ..!!
ما أن تضع الحامل وليدها حتى يجافيها النوم ويعلن عليها خصام الحراز للمطر، فالعفاريت الصغار المتدثرين بدثار الملائكة لا تحلو لهم الرضاعة إلا ليلا، وما أن يغط أهل البيت في النوم وتغفو النفساء المجهدة من عناء المخاض وتعب الولادة ومقابلة وفود الـ(حمد لله بالسلامة)، حتى يتمطى الزعيم ويمد يديه ويفتح شفتيه الصغيرتين في (شفاته) يحسد عليها بحثا عن (تُمنة اللبن)، وما أن يعثر عليها حتى يكنكش فيها بكلتا يديه ويعمل فيها شفطا طوال الليل، بينما تقضي الأم المسكينة ليلتها ساهرة(محوصة) العينين تغالب النعاس وتدافع النوم، خوفا من أن (يشرق) الصغير باللبن أثناء دقستها وتبقى في الندامة، ولكن سلطان النوم يغلبها فتستند على كوعها وتنام لبرهة حتى يميل رأسها للأمام وتكاد تسقط بوجهها على الصغير، فتستيقظ فزعة وتتحسسه بيديها لتطمئن على سلامته، ثم لا تلبث أن (تدقس) مرة أخرى وهكذا حتى الصباح .. والغريبة .. ما أن تشرق الشمس حتى يتمطى إبليس الصغير ويغرق في نوم ملائكي ويترك أمه المسكينة لتواجه سهر النهار الطويل.
تعتقد الأمهات أن الولادة هينة بينما تكمن الصعوبة في التربية، فلهن قول مأثور من قديم يقول( الرباية صعبة متل قرش الحصا)، فكما يشق على المرء أن يحشو فمه بالحصى ثم يعمل فيها قرشا، كذلك الحال مع تربية العيال ففيها من المشقة ما يعادل (الضرسه) الناتجة من طحن الحصى بالأسنان.
لا تعلم الفتيات قدر المعاناة التي عانتها أمهاتهن في سبيل تربيتهن حتى يجربن الأمومة بأنفسهن، أما الأبناء والذين يصيرون بعد ذلك آباء فهم لم ولن يعلموا حقيقة تلك المعاناة أبدا، ففي حلقة من حلقات (أوبرا) تحدثت عن معاناة الأمهات في تربية العيال وانشغال ليلهن ونهارهن في متابعة مشاغباتهم وشلاقتهم، مما يعجل بدفعهن لحافة الانهيار البدني والعصبي، فقد نصحت (أوبرا) في تلك الحلقة الأمهات بمحاولة الحصول على قسط من الراحة والسكينة لبضعة دقائق أثناء النهار، حتى ولو كان الوسيلة الوحيدة المتاحة هي دخول الأم للحمام وإغلاقه عليها لبضعة دقائق تسد خلالها أذنيها (دي بي طينة ودي بي عجينة) وتنعم ببعض الراحة من وجع الدماغ، كي تستطيع بعدها الخروج ومواصلة نشاطها في المساسقة وسك الشفع وملاحقة طلباتهم التي لا تنتهي.
فطر الله قلب الأم على التفاني لأطفالها وبذل النفس والتضحية براحتها من أجل راحتهم دون انتظار لكلمة شكر أو تقدير لمجهودها .. كنت في صغري نئوم الضحى أميل للكسل وأجيد التهرب من نصيبي في شغل البيت، وكانت أمي تدفع عني غضب شقيقاتي من ذلك التهرب بالقول:
خلوها بعدين براها بتشيل شيلتا .
فقد حكت لي للتدليل على قولها – قصة قريبتها التي كانت تتمتع بـ(الجلد الحلو) وبتريد روحا شديد، وكانت تكثر من التمارض وتخترع كل يوم شكوى بمرض جديد للتهرب من شغل البيت، ولكن ما أن تزوجت وأنجبت حتى نفضت عن كاهلها التعب والكسل وقامت بواجباتها خير قيام، بل كانت تستنكف من الخادمات وتقوم بخدمة بيتها وأطفالها دون مساعدة وظلت على ذلك حتى بعد أن رزقها الله بالكثير من العيال .. ورغم تمارضها الكثير قبل الزواج إلا أنها صارت تقاوم الإعياء والتعب إذا مرضت وتجاهد لأداء واجباتها، بل لقد حكت لي أمي أنها قد زارتها مرة فوجدتها تعاني من صهد الحمى الشديدة ورغم ذلك عصبت رأسها بمنديل وجلست على الأرض تغسل ملابس أطفالها.
كنت أظن وإن بعض الظن إثم بأنني رزقت بأربعة ملائكة بس ناقصاهم الأجنحة، ولكن الإجازة الصيفية كذبت ظني الآثم شر تكذيب، فها أنا ذا أقضي نهاري في الصراخ خلفهم ( يا ولد أدله من الشباك .. ما تنطط في السرير .. ما تدق أخوك .. ما تقلب الهوبة إنت ماكل هسي .. الليلة استنوني بجي اهردكم هرد …الخ)، وعندما يأتي المساء ويجبرهم الإجهاد على اللجوء للأسرة، أكون قد استنفد آخر قطرة في تنك طاقتي وأعاني من زغللة العينين ونشاف الريق وورم في الدماغ وشيء من البتباتة، ولسان حالي يوافق منى قلبي بأن (يا يوم بكرة ما تسرع) عشان يكبروا شوية.
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com[/ALIGN][/frame]
أشكرك منى سلمان على حكاية ورشة البيت ونحن الرجال والله مرتاحين من وجع الرأس دا لكن إبقى الهم الأكبر لمستقبلهم الوالد هو الذى يشيب رأسه لضمان مستقبل أبناؤه ولا شك أن الأم هى كل شئ فى البيت . ويا تعاسة من يعيق والدته من كل هذا الإعياء والنصب .