رأي ومقالات
عبير زين : يا ستنا!
ستنا بابكر بدري أو (ستنا) كما يحلو للجميع مُناداتها هكذا دون ألقاب أو كُنى فى دلالة واضحة على تواضعها وحنو…ها على جميع من حولها، إمرأة ينبغي أن نخفض لها من جناح التقدير والتبجيل الكثير فهى من أولى رائدات الفن التشكيلي فى السودان ولستُ هُنا لأُحصى مآثرها وإنجازاتها إذاً لإحتجتُ من المقالات العشرات، ولكنها مُحاولةً منى فقط لأصف بعضاً من دهشتى بتلك المرأة فى بضع حروف هزيلة غير جديرة بتلك القامة، فمنذُ أن ولجتُ بلاط صاحبةَ الجلالة وأنا أُمنى نفسي بأن أكتُبها نوراً يُبددُ ظلامَ مقالاتى الحالك.
حُظيتُ بشرف الجلوس الى مائدتها مِراراً مُحتسيةً بمعيتها أكوابَ الشاى المُحلاه بروعة أحاديثها المُمتلئة تفاؤلاً وتواضعاً و كانت أولى لقاءاتى معها حين أتيتُها زائرةً بصحبة إبنتها الدكتورة آمنة محمد بدري و كُنتُ أتلهفُ لتلك اللحظة أٌعانق فيها هذه المرأة السامقة، فحين يتعثر بي الجمال لا أجد بُداً من مناجاته مهما اشتدت الظهيرة أو جن الليل أو كانت الشمس تجري لمستقرٍ لها عند الغروب.
خرجنا من مقر عملنا بجامعة الأحفاد مُترجلين و نحنُ نُيممُ وجوهنا شرقاً في طريقنا الى منزلها الذى يقبع فى مساحة الأحفاد دنواً، اتخذنا طريقاً غير ذي عوجٍ و كانت سُرعتنا معقولة نوعا ما تحت هجير الشمس الحارقة و لكننى لم أحسُ بلسعها وانا فى صحبة د. آمنة محمد بدري خفيفة الظل رشيقة الخطوات ونحنُ نتبادل أطراف الحديث وأشهاه، وما هى الا لحظات حتى دلفنا فى مواجهة البوابة الرئيسية لمدخل منزلها ومن ثمّ الى حيثُ تنتظرنا جالسةً فى شموخ وتواضع جم وكُل الحُسن مُحتشداً فيها وهى مُحاطةً بمنظومةٍ مُكتملةٍ من أدوات الثقافة التى عكست ذوقها ورهافة إحساسها كتلك المكتبة المنوعة التى تتخذ مكانها فى البهو مروراً بتلك الألوان والأصباغ الموضوعة بأناقة ونظام نهايةً بأجمل اللوحات التشكيلية التى خُيل إلى بأنها لامست للتو أنامل فنان عاشق لفرشاته.
ولما كانت جوانحي تضج بحضورها الأخاذ أطربتني تلك اللحظات و غسلت عنى شقاء يوم عمل مٌرهق و هجير شمسٍ حارقة، فها أنا ذى أقف أمام جمال الوجدان والإنجاز وجهاً لوجه و تأملتُ ظبية الشاطئ هذي بإمعان وهى تضعُ بجوارها كتاباً يبدو أنه كان ونيسها قبل وصولنا، فوضعته مُترفقةً بجانبها وهى لا زالت تضع نظاراتها على وجهها بشوش القسمات.
وقفنا معاً الى ظلٍ ظليل من الأحاديث الشيقة على أنغام أكواب الشاى ودعتنا بكل الحفاوة لتناول وجبة الغداء معها ولكننى حقاُ كنت قد أصبت بتخمة هذا اللقاء ولم تعد معدتى تتسع لشئ من طعام، ومرت بضعُ ساعات رغم هجير الشمس حينها- رطّبتها رفقتها الأنيقة و تفرقنا على وعدٍ مأمول بصحبة وتواصل.
همسة لستنا: تهيّب قلمى من الدخولِ فى مُبارزة يقف الحديث عنكِ فيها فيصلاً، وتهيّبت كلماتى من مُجاراة كــــــل ذلك الألق الذى ينسِكبُ من سيرتك فكم خِفتُ أن تخذُلنى حروفى فأنكبُ خذلى، ولكن قلمي أتاكِ فى غفلةٍ منى ليرسُم بعضاً من دهشتى بكِ هُنا، أطالَ اللهُ فى عمرك ومنحك الصحة و بارك لنا فيكِ.
همسات – عبير زين