إدارة المصالحات والتعافي والمسامحة
ولم يعد خلافهم مع حكومة الولاية أو مع الحكومة المركزية هو خلاف سياسي حول خيارات في كيفية إدارة الولاية أو الدولة ، بل أصبحوا ينظرون للأمر كأنه تصفيات عرقية وقبلية وجهوية !!
تحدث العائد من الحرب بأن الناس فروا إلي الخرطوم ، وإلي وسط السودان وأصبحت الديار هناك خراب ويباب وحرائق ونهب مسلح للأموال والمواشي، وأن الحياة هناك أصبحت جحيماً لا يطاق .. وسألته عن من الذي غرس هذه الكراهية في نفوس الذين يحملون السلاح وينهبون به وأصبح القتل والسرقة مصدر عيشتهم ! قال لي هي أفكار يحملها متطلعون سياسيون ولا علاقة لهم بواقع حياة الناس ولهم طموحات خيالية في انفصال الجبال وجنوب كردفان وعمل تكامل مع دولة الجنوب .
وتغذي هذه الأفكار لوبيات صهيونية وأمريكية وتجار سلاح دوليون..!!
جلست أفكر في هذا التفكير المدمر الذي أصبح يشكل عقول بعض المتطلعين في مجال السياسة لبناء أمجادهم الشخصية على جماجم البسطاء من الناس ، وترويعهم ، وتدمير حياتهم البسيطة والهادئة التي قضوها مئات السنين في تعايش وتساكن سلمي وديني
ومعيشي.
ولكن قلت فلنترك الاسى والحزن ولنفكر في كيفية الخروج من هذه الآلام لإنقاذ أهلنا وبلادنا .
فقبائلنا وأهلنا في جنوب كردفان وفي كردفان كلها هم أهل خير ودين وتقوي وأن عظم عقيدتهم إسلامية أو مسيحية كانت يتمسك بالسلام لكل الناس، فلنفكر الآن كيف يمكن أن يعيش ويمارس الناس حياتهم الطبيعية .
فلسفة الاتحاد الأفريقي هي أن السالم في السودان يعني السلام في أفريقيا .. والصراع في السودان يعني أيضاً تمزق أفريقيا وتوترها ولذلك قاد المفاوضات الطويلة التي بعد الصبر أتت أكلها لكي يعيش الناس بارادة قوية للسلام ..
وليس بسيط هو أن عهد الحرب التقليدية قد أنتهي وأصبحت الحرب تعني الدمار وحصد ملايين الأنفس ، ومن المهارات المطلوبة بعد نجاح المصفوفة والمفاوضات هي تطوير أدب الاتصال والحوار في عز التوتر والحرب ، وهذه تحتاج لتنفيذيين ماهرين فنحن في حاجة إلى إعادة تشكيل الاتيام التنفيذية للاتفاقيات بأناس ومحاورين عندهم السلام عقيدة ودين ، والمناورات في فهمهم تقصير في الدين ولعب بالنار وبمصير الناس، وعند هؤلاء التنفيذيين الذين يطبقون ما اتفقنا عليه أولوية في استنهاض الهمم من أجل تأمين المجتمع السلمي وتبادل المصالح عوضاً عن تبادل الرصاص والموت .
والمعلوم في علم الحروب وعلم المفاوضات انه عندما تتجدد الصراعات يتم ترتيب الخطوات والمراحل عبر عمل المبادرات كخطوة أولي ، ثم إدارة المفاوضات حول الحلول الممكنة وذلك عبر الوسطاء ثم تحقيق السلام وهذه هي المرحلة التي نحن فيها ليتم بعدها بناء السلام وحفظ السلام ثم وإدارة المصالحات والمسامحة ثم تحقيق العدالة برد المظالم وتعويض الذين فقدوا أموالهم وممتلكاتهم وقت الحرب، وأخيراً استدامة السلام والتعافي التام والاستقرار والتنمية ولكي نصل إلى مرحلة استدامة السلام والتعافي والمسامحة لا بد أن يقتنع طرفا التفاوض أن هنالك حقائق على الأرض لا يمكن القفز عليها وتجاهلها، ومنها أن الترحال عبر حدود الدولتين أصبح جزءاً من نمط الحياة في السودان، ودرجت عليه مجموعات رعوية في دارفور ووسط السودان وشرقه ، مثل قبائل البقارة واولاد حميد ورفاعة الهوى وعرب سليم والشنخاب ودار محارب وترى والصبحة والأحامدة وقبائل شمال دولة الجنوب فهذه القبائل أصبح بين أكثرها وقبائل الجنوب منظومة اجتماعية وثقافية وعرقية واحدة بالتصاهر وتبادل المصالح والرعي المتداخل، وهي علاقات فرضها الواقع الجغرافي والالتقاء اليومي، وهذا يتطلب شراكة بين الدولتين لمعالجة كل القضايا حتى المشاكل الحساسة منها مثل انتشار الأمراض بين الإنسان والحيوان فالمرض لا يعرف الحدود السياسية ولا يهتم بتقدم المفاوضات أو تعثرها ، فالمرض ينتقل بلا حدود، وهذا يقتضي الاتفاق على إقامة مشروعات الرعاية الصحية البيطرية كمشروعات شراكة ذكية على طول الحدود للحفاظ على الثروة الحيوانية الضخمة المتحركة بين الدولتين، وللحفاظ على صحة الإنسان واستجلاب الدعومات التي تقدمها منظمة الصحة العالمية وغيرها التي تعمل في مجال الصحة والبيئة والمياه .
إننا بعد نجاح المفاوضات نحتاج إلي النجاح في إدارة السلام وتحقيق المصالح والتعافي .
صحيفة الأهرام اليوم
د. النور جادين