حوارات ولقاءات

الصحفي الكبير مصطفى أبو العزائم رئيس تحرير آخر لحظة في حوار لا يعرف التثاؤب

صحافتنا صحافة (الغبش)، صحافة الناس ذوي الطبيعة (الخشنة) فيها مخاشنات وصدامات ومحاكم، لكنها صحافة (طيبة) يتدخل الأجاويد- عادة- فتنتهي الأزمات
+ حكام دول العالم الثالث لا يريدون إلا سماع أصواتهم هم ولا يريدون صحافة لا تسبّح بحمدهم أو تجرؤ على نقدهم.. الفرق بيننا ودول العالم الأول كبير، كبير
+ إذا دخلت المصالح بين الصحفي و السياسي فسد الاثنان.. فلا الصحفي ينفع ولا السياسي يصلح
+ انتهى العهد الذي كانت تمشي فيه الصحافة مرتكزة على ساقي الخبر والرأي ، لقد أصبح الارتكاز أكبر على الرأي والتحليل والمتابعة، وقراءة ما بين سطور الأحداث
+ عندما حدث الانفتاح الجزئي، برزت أقلام لا (مع) ولا (ضد) كانت تتصف بالموضوعية، ثم برزت أصوات (مخالفة) من داخل مجموعة الحكم في الوسط الصحفي
+ هذا فتح الباب لأن تبرز وتسطع وتلمع أقلام عديدة منها الإسلامي مثل أقلام الشهيد محمد طه محمد أحمد، والأساتذة حسين خوجلي وعثمان ميرغني، وإسحق أحمد فضل الله، وغيرهم
حاوره : أسامة عوض الله
تصوير : الطاهر ابراهيم

بعد جلوسي إلى الاخ الأستاذ الكبير مصطفى أبو العزائم رئيس تحرير صحيفة (آخر لحظة) ذائعة الصيت ، تأكد لي بصورة قاطعة و دامغة وصف الأستاذ الكبير كمال حسن بخيت رئيس تحرير صحيفة (الرأي العام) له في حوار سابق لي معه ، بأن مصطفى أبو العزائم أشطر رئيس تحرير مع أحمد البلال الطيب ، وأن مصطفى هميم و مثابر.
فمصطفى محمود أبوالعزائم الإبن البكر لأستاذنا الإعلامي الكبير الراحل محمود أبو العزائم عليه رحمة الله ، لم يتوقف عند قول : إبن الوز عوام .. و لم يتوقف عند محطة أنه إبن الإعلامي الضخم محمود أبو العزائم ، فنهل من معين والده ، ومع موهبته المتجذرة فيه طور نفسه متسلحا بالعلم ، والموهبة ، والمثابرة ، وعلو الهمة ، وفي ذلك مكمن نجاحه ، و سر مواصلة ذلك النجاح ، الذي تحميه نفس رضية ، ونيات طيبة و سليمة ، و قبول من القراء ومن الزملاء.
تقلد مصطفى أبو العزائم رئاسة تحرير صحيفة آخر لحظة في إصدارها الثاني قبل عشرة أعوام في العام 1993 م ، والتي توقفت حينها بسبب قانون الصحافة للعام 1993 م و الذي كان يلزم الصحف بالصدور عن طريق شركات و أن يكون رأسمالها (50) خمسون مليونا من الجنيهات ، ووقتها كان ذلك مبلغا مهولا ، فترك مصطفى المهنة و دخل السوق و عمل بالتجارة لفترة ، قبل أن يعود لعشقه الأول الصحافة مستشارا للتحرير بصحيفة (أخبار اليوم) ، ثم نائبا لرئيس تحرير صحيفة (الوطن) ، ليعيد بعدها بالشراكة مع الوزير و الوالي السابق المهندس الحاج عطا المنان ، و الهندي عزالدين إصدار صحيفة (آخر لحظة) في إصدارها الثالث و الحالي لتحقق الصحيفة نجاحات كبيرة و غير مسبوقة على كل الأصعدة تحريريا و انتشارا و توزيعا ، و لتصبح واحدة من أعلى الصحف السودانية مبيعا و توزيعا ولا زالت ، وكان آخرنجاحاتها فوزها بجائزتي الحوار الصحفي ، والتحقيق ، في جوائز المجلس القومي للصحافة و المطبوعات.
و تبوأ مصطفى كذلك منصب رئيس التحرير لصحف : (أخبار الساعة) في النصف الأول من تسعينيات القرن المنصرم ، و (البيان) في النصف الثاني من التسعينيات نفسها.
وقبل ذلك ، وفي بواكير حياته الصحفية عمل مصطفى أبو العزائم بصحيفة الأيام في السبعينيات ، وبعد الانتفاضة المعروفة بإنتفاضة (رجب ــ أبريل) التي أطاحت بالرئيس السابق الراحل جعفر نميري ، عمل مديرا للتحرير بصحيفة الأضواء لصاحبها الراحل محمد الحسن أحمد ، وذلك في العام 1986 م ، و بعدها إنتقل لصحيفة (الإتحاد) سكرتيرا لتحريرها ، ليهاجر بعدها إلى ليبيا ، وعمل مديرا تجاريا لمؤسسة القدس الإعلامية في رئاستها بمدينة طرابلس ، و كان عمله موزع ما بين مدن الدار البيضاء ، و تونس ، و روما ، و بعد إنتهاء عقده بعد سنتين رفض تجديده لينتقل للعمل بالسفارة السودانية بليبيا مستشارا إعلاميا بها إبان فترة وجود السفير عباس النور و ذلك في الفترة من 1991 م ـــ 1992 م.
مصطفى أبو العزائم أب لخمسة من البنين جميعهم ماشاء الله ذكور ، و ليست له بنت ، و يقول عن نفسه أنه أب كذلك لعدد كبير جدا من الأبناء و البنات في الصحافة السودانية ممن تتلمذوا على يديه .. و هو متزوج من معلمة و أخصائية علم نفس.
لكل هذا و غيره أحاوره في (رئيس التحرير) ، في حوار لا يعرف التثاؤب.

+ كيف تقرأ واقع الصحافة في السودان اليوم وكيف تقرأ واقع الصحافيين في السودان؟

ـ هو للأسف الشديد واقع مؤسف ومزري، خاصة في مجال الحالة العامة للصحفيين.. لكن في المقابل هناك تطور تقني هائل في الوسائل والأجهزة والمعدات، لكن هذا التطور التقني إذا لم يسنده تحسن في واقع حال العاملين فإنه يصبح مثل تزيين كهف مجهور بالثريات.. لا حياة فيه، لذلك أقول لك بكل صدق إن حال الصحافة السودانية الآن أشبه بحال المريض القابع في غرفة العناية المكثفة (الإنعاش) في إنتظار الاختصاصي (الشاطر) الذي يعيد إليه الأمل في الحياة.. وأعني فهم الدولة لدور الصحافة عموماً وليس الصحافة الحكومية، وإلا فعلى دنيا الصحافة السلام.
+ و الصحفي السوداني .. كيف تراه ..؟؟
ـ الصحفي السوداني في بدايات عهدنا بالصحافة كانت أوضاعه جيدة وممتازة، لديه إمتيازات منها تخفيض خمسين بالمائة في قيمة تذاكر الطيران، والسكة الحديد، وقد لا تصدق إن الصحفي كان يمتلك سيارة وهو لم يكمل عامه الأول أو الثاني في عالم الصحافة، وكانت كل الوجبات متوفرة ومجانية في دور الصحف، وهذا ما حاولنا أن نطبقه في (آخر لحظة)، وكذلك وسائل النقل والترحيل.. وكان الصحفي (شاطر) لأنه إن لم يكن كذلك فلا مجال له في عالم الصحافة.

+الصحافة السودانية الآن أصبحت صحافة الكُتاب.. كيف.. ولماذا.. وماذا تقول عن ذلك، وهل هذه ميزة إيجابية أم خلل كبير.. أم ماذا؟
– ـ هذه هي ضريبة التطور المذهل في عالم الاتصالات والقفزة الهائلة في دنيا الإعلام، لأنك الآن يا أخي (أسامة) تستطيع متابعة الحدث لحظة وقوعه بالصورة والصوت والتعليق، وهذا يعني أن التنافس في مجال الأخبار لم يعد قائماً بين الصحافة وبقية الوسائط الأخرى، بالقدر الذي يحفظ للصحافة (هيبتها) و(سطوتها) وتميزها وإنفرادها بالخبر، لذلك لجأت الصحف إلى قراءة ما وراء الخبر، لجأت للتحليل، وتحايلت على الخبر، بالقصة الخبرية، واعتمدت على كُتّاب الرأي أكثر مما كانت تعتمد عليهم من قبل، لذلك سطعت أسماء وبرزت نجوم في هذا المجال، وقد انتهى العهد الذي كانت تمشي فيه الصحافة مرتكزة على ساقي الخبر والرأي ، لقد أصبح الارتكاز أكبر على الرأي والتحليل والمتابعة، وقراءة ما بين سطور الأحداث.
+ إذن تراه تحول ايجابي ..؟؟
ـ قطعاً الذي يحدث هو تحول إيجابي لصالح المواطن ولصالح الإنسانية والتاريخ والمستقبل.
+ لكن البعض يرى أن الذي أسس لصحافة (الكُتّاب).. هل هي الحكومة بممارساتها ..أم من الذي فعل ذلك؟
– ـ مثلما قلت لك من قبل، فإن التطور التقني في أجهزة ووسائل الاتصال والمعلومات، جعل الخبر يتراجع قليلاً في الصحف، حتى أن بعض الصحف الرصينة والتقليدية مثل (التايمز) البريطانية قامت في أغسطس من العام 2004م، وكنت شاهداً على ذلك خلال وجودي في لندن آنذاك، قامت بفتح صفحتها الأولى كلها عن تسجيل اللاعب (روني) مع صورة ضخمة له وقدمت قصة خبرية جيدة تراجعت معها أخبار السياسة إلى الصفحات الداخلية.
+ أراك تبريء الحكومة ..؟؟
ـ أما الجانب الاتهامي للحكومة في سؤالك، فأنا أؤيده لأن الحكومة خاصة في أيام الإنقاذ الأولى لم تعطِ فرصة لمن يعارضها حتى يقدم رأيه المخالف لرأيها، ثم عندما حدث الانفتاح الجزئي، برزت أقلام لا (مع) ولا (ضد) كانت تتصف بالموضوعية، ثم برزت أصوات (مخالفة) من داخل مجموعة الحكم في الوسط الصحفي، وظلت الحكومة تطارد المخالفين وتتربص بهم، لكنهم كانوا يبحثون عن مخارج ومهارب عن طريق التحايل وعدم الكتابة بما يمكن أن نسميه بـ(الكلام المباشر).. وهذا فتح الباب لأن تبرز وتسطع وتلمع أقلام عديدة منها الإسلامي مثل أقلام الشهيد محمد طه محمد أحمد، والأساتذة حسين خوجلي وعثمان ميرغني، وإسحق أحمد فضل الله، وغيرهم، من الإسلاميين أو غيرهم ممن لا علاقة له بالحركة الإسلامية، أو أولئك الذين يقفون على الضفة الأخرى من نهر الحكم، ومنهم المعتدل ومنهم المتطرف.. لكن لا تسألني عنهم حتى لا يعتقد بعضهم أنني أحرض عليهم السلطات أو القراء.. (طبعاً هذه مزحة لذلك أرجو ألا تسجلها).
+ كيف ترى الصحافة السودانية مقارنة بنظيراتها العربية خاصة المصرية والخليجية ..؟؟
– ـ صحافتنا صحافة (الغبش)، صحافة الناس ذوي الطبيعة (الخشنة) فيها مخاشنات وصدامات ومحاكم، لكنها صحافة (طيبة) يتدخل الأجاويد- عادة- فتنتهي الأزمات ويتم شطب البلاغات وتوقف القضايا، حتى في القضايا المتصلة بأمن الدولة، وقد حدث هذا كثيراً.
الصحافة المصرية قبل ثورة (23) يوليو 1952م كانت متقدمة من ناحية الحريات، عنها بعد الثورة، لأنها بعد ثورة يوليو أسست لما أسمته بـ(الصحافة القومية) وهي صحافة حكومية جعلت من الدولة وصياً على العمل الصحفي، ولم تتحرر مرة أخرى إلا في عهد الرئيس الراحل أنور السادات- رحمه الله- الذي بذر بذور ديمقراطية جديدة بعد أن قضى على مراكز القوى في (15) مايو 1971م بدأها بتأسيس منابر داخل الاتحاد الاشتراكي العربي، هي منبر (الوسط) و (اليمين) و (اليسار)، وقاد هو منبر الوسط الذي أصبح لاحقاً الحزب الوطني الديمقراطي، والذي أصبح ما يمكن أن نسميه (حزب الحكومة).
وفي عهد الرئيس السابق مبارك زادت جرعة الحريات كثيراً داخل البرلمان وفي الصحافة، وهي من الأسباب التي أدت للإطاحة به هو نفسه بعد ثورة (25) يناير.
+ و صحافة الخليج ..؟؟
ـــ أما صحافة الخليج فهي الصحافة (المدللة) و (المترفة)، هي صحافة رسمية تهتم بالأخبار الرسمية وتهتم بالتسلية وأخبار المجتمع أكثر من إهتمامها بالرأي والرأي المضاد.
+ إذن ترى صحافتنا بخير ..؟؟
ـــ نعم .. نعم (رددها مرتان) صحافتنا بخير، وهي في هذه الجوانب تعبّر عن حركة المجتمع وعن المواطنين، رضيت الحكومة أم أبت، لكنها أيضاً تكشف الطريق أمام الحكومة وتحاول أن تلعب دورها المطلوب وأن ترضي قراءها.

+ هناك قول تاريخي شهير للرئيس الأمريكي الثالث (توماس جيفرسون) بأنه لو ترك له الخيار، لأن يقرر عما إذا كان من الأفضل أن تكون لنا حكومة بلا صحف، أو أن تكون لنا صحف بلا حكومة، فلن أتردد لحظة في الأخذ بالخيار الثاني.. لو وضعت في نفس الموقف، ماذا تختار ولماذا.. وكيف؟
– ــ علقت يا أخي الكريم أسامة على سؤالك هذا في زاويتي اليومية بأخيرة (آخر لحظة) وقلت صراحة إن إجابتي ستتطابق مع إجابة الرئيس الأمريكي الراحل (جيفرسون) وقلت بوضوح إن لصحفييّ السودان في الراحل الأستاذ حسين شريف أسوة حسنة، لأنه قال مقولة أصبحت من علامات هذه المهنة، وهي: (أمة بلا صحافة، كقلب بلا لسان).
+ إذا ما أسقطنا هذه المقولة على دول العالم الثالث، وقاربناها وقارناها بالدول الغربية.. كيف ترى الأمر..؟؟
– ــ أراه كما تراه أنت في سؤالك هذا.. هناك عالمان.. عالم أول.. وعالم ثالث لا ثاني بينهما، فحكام دول العالم الثالث لا يريدون إلا سماع أصواتهم هم ولا يريدون صحافة لا تسبّح بحمدهم أو تجرؤ على نقدهم.. الفرق بيننا وبينهم كبير، كبير.
+ الصحافة في أي دولة من دول العالم هي جزء من الحياة السياسية دون شك.. كيف تقرأ ذلك.. وإذا أسقطنا ذلك على السودان كيف تراه، بمعنى آخر كيف ترى علاقة الصحافة بالسياسة في السودان، وأذهب معك أبعد من ذلك وأقول لك كيف ترى العلاقة بين الصحفي والسياسي في السودان.. إذا ما قارناها بنظيراتها في الخارج .؟؟
– ــ شوف.. أخي أسامة .. وأنت سيّد العارفين.. السياسي المحترم هو مكان تقدير وتبجيل للصحفي.. وكذلك الصحفي المحترم الذي يعرف دوره ويقوم برسالته على أكمل وجه، لكن إذا دخلت المصالح بينهما فسد الاثنان.. فلا الصحفي ينفع ولا السياسي يصلح.

أسامة عوض الله
[email]asooly2020@gmail.com[/email] مدير الإدارة السياسية بصحيفة (المشهد الآن) السودانية