رأي ومقالات

ناس عبد العاطي البيروقراطي

[JUSTIFY]حكينا في مقال سابق عن قصة (إدارة عموم الزير) وهي الطرفة المنقولة عن وزير الري في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر رحمه الله، وقد سمع الوزير مجرد تعليق من الرئيس حول إمكانية إقامة زير تحت شجرة في الصحراء.. والوزير اعتبر ذلك أمراً واجب النفاذ، وقام بتشكيل لجنة لإقامة الزير والتي انبثقت منها لجان وهيئات ومجالس ومؤسسات للأغراض المتعلقة بالزير. والرئيس بعد عام كامل زار المنطقة ووجد زيراً صغيراً، ولكن وجد بالقرب منه مبنى من عشرة طوابق وبه جيش من الإداريين، وأمامه أرتال من السيارات والناقلات وعلى المبني يافطة ضخمة تقول «إدارة عموم الزير».. وذلك ما كان من أمر المقال الذي كتبه الصحافي المصري حسين مؤنس وسودنه صديقنا الكاتب علي يسن.
وإدارات عموم الزير لا توجد في مصر وحدها، وإنما انتقلت إلينا العدوى بحكم الجوار والتواصل والمصاهرة وصلة القربى والرحم.. فنحن عندنا «ناس عبد العاطي البيروقراطي».. وهؤلاء مثل جماعة إدارة عموم الزير متخصصون في إفشال المشروعات و«تكريه» العملاء خاصة المستثمرين.. ومن ذلك ما حدث في إحدى الوزارات عندما أعلنت الدولة قبل فترة عن رغبتها في تغيير الحكومة لتكون ذات «قاعدة عريضة».. ومنذ ذلك الوقت بدأ «ناس عبد العاطي» في الحديث سراً وجهراً بأن هذا الوزير بالذات سوف «يتلحس» وسيذهب معه جميع المحسوبين عليه ابتداءً من سائق سيارته وحتى نائب الوكيل، وسوف يذهب المدير التنفيذي. وعاش الكثيرون في هلع، وانتهت الشهور العديدة وجاء الوزير الجديد وبدأ «ناس عبد العاطي البيروقراطي» مرحلة جديدة من «الجرجرة» و «التلتلة» و «المطوحة» بحجة أن الوزير الجديد لديه آراء وأفكار جديدة، وأن الوزير الجديد سيقوم بعملية تطهير يقضي فيها على الأخضر واليابس.

وبالطبع لا يدري ناس عبد العاطي في وزارة عموم الزير، أن أساس المفسدة ورأس البلاء وبيت الداء فيهم أنفسهم، وإن كانت هناك مفسدة في الوزير السابق أو الوزير اللاحق فهي «مجسمة» في بقاء هؤلاء الموظفين على رأس إدارة «عموم الزير»، وهم الذين يمدون ألسنتهم لجميع سياسات الدولة الرامية لتسهيل الإجراءات وتقصير الظل الإداري، خاصة المتعلقة بالاستثمار والتنمية والتصديق والترخيص. والدولة في قمتها تعلن أن السودان سيكون قبلة وواحة للاستثمار والمستثمرين، بينما يريده ناس عبد العاطي البيروقراطي مقبرة للمستثمرين «وجرجرتهم».. فهم يقولون إنهم سيراجعون الورق، ورقةً ورقةً وسطراً سطراً وشولةً شولةً ونقطةً نقطةً .. وسيراجعون النقاط على الحروف نقطةً نقطةً وفتحةً فتحةً، وضمةً ضمةً وكسرةً كسرةً وشدّةً شدّةً.. ثم يقوم عبد العاطي البيروقراطي بإرسال الورق مشفوعاً بخطاب «بالسيرك» من التربيزة بتاعتو إلى التربيزة المجاورة عبر المراسلة ليصل خطابه لجاره بعد أسبوعين، ليرد عليه عبد العاطي التاني «بعد خراج الروح» ويظل المستثمر يهرول خلف المراسلات.
وإزاء هذا فقد أطلق علينا بعض المستثمرين الأجانب لقباً جديداً وقالوا إن السودان هو بلد الـ «I.B.M» وهي ترميز لمقولة «إن شاء الله» و «بكرة» و «مافي» ويظل ناس إدارة عموم الزير يعيشون في ظلال القرن الماضي، ولم يسمعوا بأن هناك شيئاً اسمه الحكومة الإلكترونية، وتعني شاشات كمبيوتر ترونها مفتوحة على بعضها وتشترك فيها كل الأجهزة، ويتخذون القرارات دون الحاجة إلى مخاطبة و «جوابات» على الطريقة القديمة.. ولا مجال لأن يقوم «عبد العاطي» بفرملة الورق أو حشره في الدرج. وأجمل ما في الحكومة الإلكترونية أن المستثمر وطالب الخدمة لا يقابل غير شخص واحد وقد لا يحتاج الى مقابلته أصلاً.. ترى متى نأمل أن نتخلص من ناس عبد العاطي البيروقراطي، ومتى نتخلص من إدارة عموم الزير.

{ كسرة:
يقال أن بعض مهربي السلع الغذائية والبترولية إلى دولة الجنوب السوداني يقدمون إغراءات كبيرة لبعض من يقابلونهم في طريق التهريب من مواطنين.. وبرميل الجازولين الذي يتم شراؤه من الضعين بثمانمائة جنيه يتم بيعه في الجنوب بما يقارب ثلاثة ملايين.. وحتى كيس العصير أبو عشرة جنيهات يباع في الجنوب بمائة ألف جنيه، وسعر البصلة الواحدة في الجنوب ثمانية آلاف جنيه ويتم ربطها في خيط من الدبارة لكي تنقل من حلة الى أخرى، وهذا ما يجعل كثيراً من المغامرين يخاطرون بأرواحهم، وبعضهم يعلم أن الجنوبيين قد ينهبونه ومع ذلك «يجاسف».. ونعتقد أن أمر التهريب يمكن أن ينحسر إذا ما قامت الحكومة بتقديم حوافز أكثر مما يقدمها المهربون، كما أنه يجب تطبيق القرارات الرادعة والمانعة للتهريب تنفيذاً للتوجيه الذي يقول «شوت تو كيل» Shoot to kill.. .. هذا بالطبع إضافة إلى تشديد الحراسات على الحدود وزيادتها خلال ثلاثة أشهر فقط يكون الجنوبيون بعدها قد قالوا الرووووووب!! وهذه لا أعرف كيف تقال بلغة الجنوبيين، لكنها بعربي جوبا يمكن أن تقال على النحو التالي: «أنتكم روب تاع أنا يقولو آيْوَهْ»

د. عبدالماجد عبدالقادر
صحيفة الانتباهة[/JUSTIFY]