منى سلمان

كُل يا كُمّي قبّال فمّي

[ALIGN=CENTER]كُل يا كُمّي قبّال فمّي[/ALIGN] [ALIGN=JUSTIFY]يُحكى أن حكيمنا الشيخ فرح ود تكتوك كان قد تلقى دعوة للعشاء على مائدة السلطان، فتوجه ليلتها إلى قصر السلطان لتلبية الدعوة، ولكن عند بوابة القصر استوقفه الحراس عندما لاحظوا تواضع ثيابه مقارنة بالفخامة التي يرفل فيها اثرياء المدينة ممن لبّوا ايضا دعوة السلطان .. وقف الشيخ على جانب البوابة يراقب دخول المدعوين دون أن يلتفت إليه أحدا منهم أو يوليه اهتماما .. عاد شيخنا لبيته ولبس جبته الفاخرة باكمامها الواسعة الموشاة بالحرير والديباج والتي كان قد اهداها له السلطان، ثم رجع للقصر بهيئته الجديدة، فقام لاستقباله الحراس احتراما، وهش للقائه القوم الذين تجاهلوه قبل ساعة .. قدمه منسقي الدعوة والتشريفاتية على باقي المدعوين، واجلسوه على مائدة السلطان حيث مدّت له صحاف الطعام .. جلس الشيخ صامتا لا يمد يده للطعام، وعندما لاحظ السلطان أن يده لا تصل للطعام عزم عليه ليأكل، فما كان من شيخنا الحكيم إلا أن مدّ كُم ثوبه وادناه من الطعام، ثم قال قولته التي صارت مثلا:
كُل يا كُمّي قبّال فمّي
صارت مقولة شيخنا ادانة صارخة لمجتمع الصفوة في زمانه، والذي يهتم بالمظهر دون الجوهر ويقيم الناس حسب قيمة ما يلبسوه من ثياب، ولعل التقيم السطحي للناس من المنظر دون الاهتمام بالمخبر لم يكن آفة زمان شيخنا فقط، ولكنها علة كل المجتمعات عبر الازمان، فقد قالت الحكمة التي تدعونا لان نكترث لرأي الآخرين في مظهرنا:
(كل ما يعجبك وألبس ما يعجب الناس)!
بالمقابل نجد أن الكثير من الحكم والأمثال قد قيلت للتنبيه لتلك الآفة الاجتماعية، وتدعونا لان لا نأخذ بـ (المظاهر الخدّاعة) ويشغلنا جمال المنظر عن ما خُفي عنّا من سوء المخبر أو قبح ما استبطن من الأمور .. وهذا ما لفت انتباهي إليه في الخبر الذي اوردته العديد من الصحف قبل بضعة اسابيع، عن حملة قامت بها السلطات على المحلات التي تبيع الادوات الكهربائية المقلدة والمصنوعة في دول شرق آسيا والتي يضع عليها الصانعون علامات الاجهزة الاصلية لتباع باسعار عالية رغم انها في الاصل بـ (تراب الفلوس) .. ولا يختصر ذلك الخداع على الاجهزة الكهربائية فقط، فقد امتلأت اسواقنا بالبضائع المقلدة .. فـ الملابس الجاهزة المصنوعة في (بطن واطة) مشاغل المنطقة الصناعية، توضع عليها ملصقات (صناعة انجليزية) وارد لندن .. والـ (تموت تخلي) التايواني .. رغم انه قد يموت ويخليك سريعا، فأن الديباجة الملصقة عليه تقول بأنه (صنع في ايطاليا) ومتين متانة تبالي بالعمر ولا تبلى، وهكذا حاصرنا الزيف والتزييف والمظاهر الخداعة والتبس بنا الأمر فلم نعد نميز الاصلي من المزور في حياتنا .. بل صار (الحريف) منا فقط هو من يستطيع أن يميز بين هذا وذاك.
في نفس صياغ المظهر الذي لا يشبه المخبر، اشتهر عن أهلنا المصريين المثل الذي يقول (من بره هلّا هلّا .. ومن جوه يعلم الله)، والذي ذكرته لي سيدة مصرية كنت في زيارتها بمدينة القاهرة، عندما حكت لي كيف أنها فوجئت بوجود (عِرِسة) في شقتها الجديدة وهي عروس – اعتقد ان (العرسة) هي حيوان صغير أكبر حجما من الفأر ولها وجه يشبه وجه الثعلب .. على ما أظن بأنها تسمى عندنا بـ (الصبّرة) .. غايتو أنا شفتا (العِرِسة) لمحة كده بالصدفة، وهي تجري لتختبي خلف كومة كراكيب بدار اتحاد الطلاب السودانيين في الاسكندرية، لكن (الصبّرة) دي بسمع بيها سمع ساي .. والله لا يوريني ليها !
ما علينا .. المهم أن صاحبتنا الخوافة كانت تتجنب الانحناء للتنظيف اسفل الاثاثات وتكتفي بالتلميع فوق .. فوق، خوفا من أن تلتقي وجها لوجه مع (أم العرسرس) التي اتخذت من تحت السرير لها سكنا .. ولذلك صارت شقتها كما وصفها العريس الزعلان، عندما انحنى ليلتقط الجزمة من تحت السرير ففوجيء باكوام الاتربة والاوساخ وفضلات (العِرِسة):
ايه ده .. انتي عاملالي البيت من بره هلا هلا ومن جوه يعلم الله؟[/ALIGN]

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

تعليق واحد

  1. كل سنه وانتى طيبه وربنا يحقق امانيك
    جات متاخره شوية اعزرينا لكن كنا فى اجازة العيد وكده
    خالص التحايا